سبحان الله وبحمــــــــــــده سبحان الله العظــــــــيم
لو عندك مشكلة اتركها فى قسم المشكلات وسنعرضها ومعها الحل

الأكثر مشاهدة

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

إحصائية المدونة

translation

free counters

Disqus for halalmashakel

إحصائيات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Ads 468x60px

المتابعون

Featured Posts



بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
قال الشيخ الإمام العالم العامل حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد الغزالى الطوسى رحم الله وعفا عنه: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على خير خلقة سيدنا محمد وآله وصحبه، هذا كتاب الكشف والتبيين فى غرور الخلق أجمعين. اعلم أن الخلق قسمان: حيوان وغير حيوان.. والحيوان قسمان: مكلف ومهمل.. فالمكلف من خاطبه الله بالعبادة وأمره بها.. ووعده الثواب عليها ونهاه عن المعاصى وحذره العقوبة..
ثم المكلف قسمان: مؤمن وكافر.. والمؤمن قسمان طائع وعاص.. وكل من الطائعين والعاصين ينقسم قسمين: عالم وجاهل..
ثم رأيت الغرور لازما لجميع المؤمنين المكلفين والكافرين. إلا من عصمه الله رب العالمين.. وأنا بحمد الله أكشف عن غرورهم وأبين الحجة فيه.. وأوضحه غاية الإيضاح. وأبينه غاية البيان بأوجز ما تكون العبارة.. وأبدع ما يكون من الإشارة.
والمغرورون من الخلق ما عدا الكافرين أربعة أصناف: صنف من العلماء.. وصنف من العباد.. وصنف من أرباب الأموال..وصنف من المتصوفة.
غرور الكافر
فأول ما نبدأ به غرور الكافر، وهو قسمان: منهم من غرته الحياة الدنيا.. ومنهم من غره بالله الغرور.. أما الذين غرتهم الحياة الدنيا وهم الذين قالوا: النقد خير من النسيئة.. ولذات الدنيا يقين.. ولذات الآخرة شك!!.. ولا يترك اليقين بالشك.. وهذا قياس فاسد.. وهو قياس إبليس لعنه الله تعالى فى قوله: أنا خير منه.. فظن أن الخيرية فى النسب..
وعلاج هذا الغرور شيئان
إما بتصديق وهو الإيمان.. وإما ببرهان.
أما التصديق فهو أن يصدق الله تعالى فى قوله (وما عند الله خير وأبقى) (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور).. وتصديق الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيما جاء به..وأما البرهان: وهو أن يعرف وجه فساد قياسه.. أن قوله: الدنيا نقد والآخرة نسيئة مقدمة صحيحة وأما قوله: النقد خير من النسيئة. فهو محل التلبيس.. وليس الأمر كذلك.. بل إن كان النقد مثل النسيئة في المقدار.. والمقصود فهو خير.. وإن كان أقل منها.. فالنسيئة خير منه.. ومعلوم أن الآخرة أبدية.. والدنيا غير أبدية.. وأما قوله: ولذات الدنيا يقين ولذات الآخرة شك فهو أيضا باطل.. بل ذلك يقين عند المؤمنين..
وليقينه مدر كان: أحدهما الإيمان والتصديق على وجه التقليد للأنبياء والعلماء كما يقلد الطبيب الحاذق في الدواء.. والمدرك الثاني: الوحى للأنبياء والإلهام للأولياء.. ولا تظن أن معرفة النبي صلّى الله عليه وسلّم لأمور الآخرة.. ولأمور الدنيا تقليد لجبريل عليه السلام.. فإن التقليد ليس بمعرفة صحيحة.. والنبي صلّى الله عليه وسلّم حاشاه الله من ذلك.. بل انكشفت له الأشياء.. وشاهدها بنور البصيرة.. كما شاهدت أنت المحسوسات بالعين الظاهرة..
فصل فيمن يشاركون الكفار غرورهم
من المؤمنين بربهم
والمؤمنون بألسنتهم وعقائدهم إذا ضيعوا أمر الله تعالى وهى الأعمال الصالحة.. وتدنسوا بالشهوات.. وهم مشاركون الكفار فى هذا الغرور.. فالحياة الدنيا للكافرين والمؤمنين جميعا غرور: فأما غرور الكافرين بالله تعالى فمثاله: قول بعضهم فى أنفسهم بألسنتهم: إنه إن كان الله معيدنا فنحن أحق بها من غيرنا كما أخبر الله تعالى عنهم فى صورة الكهف حين قال: (ما أظن أن تبيد هذه أبداً، وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً)
ما سبب هذا الغرور؟
وسبب هذا الغرور قياس من أقيسة إبليس لعنه الله تعالى.. وذلك انهم ينظرون مرة إلى نعم الله تعالى عليهم في الدنيا.. فيقيسون عليها نعم الآخرة، ومرة ينظرون إلى تأخير عذاب الله عنهم في الدنيا فيقيسون عذاب الآخرة كما أخبر الله تعالى عنهم (ويقولون فى أنفسهم لو لا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير) ومرة ينظرون إلى المؤمنين وهم فقراء.. فيزدرونهم ويقولون: (أهؤلاء من الله عليهم من بيننا).. ويقولون: (لو كان خيراً ما سبقونا إليه)..
(1/1)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
وترتيب القياس الذى نظم فى قلوبهم أنهم يقولون: قد أحسن الله إلينا بنعم الدنيا.. وكل محسن فهو محب، وكل محب فهو محسن، وليس كذلك.. بل يكون محسناً ولا يكون محباً.. بل ربما يكون الإحسان سبب هلاكه على الاستدراج.. وذلك محض الغرور بالله عز وجل.. ولذلك قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إن الله تعالى يحمى عبده من الدنيا كما يحمى أحدكم مريضه عن الطعام والشراب وهو يحبه).. ولذلك كان أرباب البصائر إذا أقبلت عليهم الدنيا حزنوا، وإذا أقبل عليهم الفقر فرحوا.. وقالوا: مرحبا بشعار الصالحين، فقد قال الله تعالى: (فأما الإِنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه)..وقال تعالى: (أيحسبون أَنَّمَا نُمدهم به من مال وبنين نسارع لهم فى الخيرات بل لا يشعرون).. الآية.. وقال تعالى: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون، وأملى لهم إن كيدى متين).. وقال تعالى: (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون)..
فمن آمن بالله تعالى يأمن من هذا الغرور..
ومم ينشأ هذا الغرور؟
ومنشأ هذا الغرور الجهل بالله تعالى.. وبصفاته.. فإن من عرف الله تعالى فلا يأمن من مكر الله.. وينظرون إلى فرعون وهامان وثمود وماذا حل بهم.. مع أن الله تعالى أعطاهم من المال.. وقد حذر الله تعالى مكره فقال تعالى: (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون).. وقال تعالى: (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين).. وقال تعالى: (فمَهل الكافرين أمهلهم رويداً).. فمن أولى نعمة يحذر أن تكون نقمة.
فصل فى غرور عصاة المؤمنين
وهم من يتكلون على عفو الله ويهملون العمل
وأما غرور العصاة بالله من المؤمنين فقولهم: غفور رحيم، وإنما يرجى عفوه فاتكلوا على ذلك وأهملوا الأعمال وذلك من قبل الرجا فإنه مقام محمود في الدنيا. وأن رحمة الله واسعة ونعمته وشاملة وكرمه عميم، وأنا موحدون نرجوه بوسيلة الإِيمان والكرم والإِحسان.
منشأ ذاك الغرور
وربما كان منشأ حالهم التمسك بصلاح الآباء والأمهات.. وذلك نهاية الغرور فإن آباءهم مع صلاحهم وورعهم كانوا خائفين.. ونظم قياسهم الذى سول لهم الشيطان: من أحب إنساناً أحب أولاده.. فإن الله قد أحب أباكم فهو يحبكم فلا تحتاجون إلى الطاعات، فاتكلوا على ذلك واغتروا بالله، ولم يعلموا أن نوحا عليه السلام، أراد أن يحمل ولده فى السفينة فمنع، وأغرقه إليه سبحانه وتعالى بأشد ما أغرق به قوم نوح..
وإن نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم استأذن فى زيارة قبر أمه.. وفى الاستغفار: فأذن له فى الزيارة ولم يؤذن فى الاستغفار لها..
ونسوا قوله سبحانه وتعلى: (أَلاَّ تزر وازرة وزر أخرى. وأن ليس للإِنسان إلا ما سعى)..
ومن ظن أنه ينجو بتقوى أصله كمن ظن أنه يشبع بأكل أبيه أو يروى بشراب أبيه..
والتقوى فرض عين لا يجزى فيها والد عن ولده (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه).. إلا على سبيل الشفاعة..
ونسوا قوله عليه الصلاة والسلام: (الكيِّسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والأحمق من أتبع نفسه وهواها وتمنى على الله الأماني).
وقوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا فى سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم).
وقال تعالى: (جزاء بما كانوا يعملون).. وهل يصح الرجا إلا إذا تقدمه عمل وإلا فهو غرور لا محالة..
فصل فيمن اغتر بحسناته مع قلتها وكثرة سيئاته
ويقرب منهم غرور طوائف لهم طاعات ومعاص إلا أن معاصيهم أكثر وهم يتوقعون المغفرة ويظنون أن لغة حسناتهم ترجح أكثر من كفة السيئات.. وهذا غاية الجهل، فيرى الواحد يتصرف بدراهم معدودة من الحلال والحرام ويكون ما تناوله من أموال الناس والشبهات أضعافا وهو كمن وضع فى كفة الميزان عشرة دراهم ووضع فى الكفة الأخرى ألفاً وأراد أن تميل الكفة التى فيها العشرة وذلك غاية الجهل..
فصل فى غرور من يظن أن طاعته أكثر من معاصيه
(1/2)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
وإذا عمل طاعة حفظها واعتد بها كالذى يستغفر بلسانه أو يسبح فى الليل والنهار مثلا مائة مرة أو ألف مرة ثم يغتاب المسلمين وتكلم بما لا يرضاه الله طول النهار، ويلتفت إلى ما ورد فى فضل التسبيح.. ويغفل عما ورد فى عقوبة المغتابين والكذابين والنمامين والمنافقين.. وذلك محض الغرور فحفظ لسانه عن المعاصى آكد من تسبيحاته.
فصل فى بيان المغرورين وأقسام كل صنف
الصنف الأول
من المغرورين العلماء
والمغرورون منهم فِرق:
الفرقة الأولى
فرقة منهم لما أحكمت العلوم الشرعية والعقلية تعمقوا فيها واشتغلوا بها وأهملوا تفقد الجوارح وحفظها عن المعاصى، وإلزامها الطاعات فاغتروا بعلمهم وظنوا أنهم عند الله بمكان.. وأنهم قد بلغوا من العلم مبلغا لا يعذب الله تعالى مثلهم، بل يقبل عليهم ويقبل فى الخلق شفاعتهم، ولا يطالبهم بذنوبهم، وخطاياهم وهو مغرورون فإنهم لو نظروا بعين البصيرة علموا أن العلم علمان: (1) علم معاملة.
(2) وعلم مكاشفة.
وعلم المكاشفة وهو العلم بالله تعالى وبصفاته.. ولا بد من علم المعاملة لتتم الحكمة المقصودة وهى العلم بمعرفة الحلال الحرام ومعرفة أخلاق الناس المذمومة والمحمودة..
ومثالهم مثال طبيب طب غيره وهو عليل قادر على طب نفسه ولم يفعل.. وهل ينفع الدواء بالوصف؟!.. هيهات لا ينفع الدواء إلا من شربه بعد الحمية.. وغفلوا عن قوله سبحانه وتعالى: (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسها) ولم يقل من يعلم تزكيتها وأهمل علمها وعلمها الناس..
وغفلوا عن قوله صلّى الله عليه وسلّم: (إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه).
وغير ذلك كثير..
وهؤلاء المغرورن - نعوذ بالله منهم - وإنما غلب عليهم حب الدنيا وحب الآخرة وحب الراحة.. وظنوا أن علمهم ينحيهم فى الآخرة من غير عمل.
الفرقة الثانية
وفرقة أخرى أحكموا العلم والعمل الظاهر وتركوا المعاصى الظاهرة وغفلوا عن قلوبهم فلم يمحو منها الصفات المذمومة عند الله كالكبر والرياء والحسد وطلب الرياسة والعلا وإرادة الثناء على الأقران والشركاء وطلب الشهرة فى البلاد والعباد، وذلك غرور سببه غفلتهم عن قوله عليه الصلاة والسلام: (الرياء الشرك الأصغر).
وقوله: (الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب).
وقوله: (حب المال والشرف ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل).
إلى غير ذلك من الأخبار.. وغفلوا عن قوله تعالى: (إلا من أتى الله بقلب سليم).
فغفلوا عن قلوبهم واشتغلوا بظواهرهم.. ومن لا يصفى قلبه لا تصح طاعته.. ويكون كمريض ظهر به الجرب فأمره الطبيب بالطلاء وشرب الدواء.. فاشتغل بالطلاء وترك شرب الدواء.. فأزال ما بظاهره.. ولم يزل ما بباطنه.. وأصل ما على ظاهره مما فى باطنه.. فلا يزال جربه يزداد أبدا مما فى باطنه..
فكذلك الخبائث إذا كانت كامنة فى القلب يظهر أثرها على الجوارح، فلو زال ما فى باطنه استراح الظاهر.
الفرقة الثالثة
وفرقة أخرى علموا هذه الأخلاق.. وعلموا أنها مذمومة من وجه الشرع إلا أنهم لعجبهم بأنفسهم يظنون أنهم منفكون.. وأنهم أرفع عند الله من أن يبتليهم بذلك.. وإنما يبتلى به العوام دون من بلغ مبلغهم فى العلم.. فأما هم فإنهم أعظم عند الله من أن يبتليهم.. فظهرت عليهم مخايل الكبر والرياسة.. وطلبوا العلو والشرف.. وغرورهم أنهم ظنوا ذلك ليس تكبرا.. وإنما هو عز الدين، وإظهار لشرف العلم.. ونصرة الدين.. وغفلوا عن فرح إبليس به.. ونصرة النبي صلّى الله عليه وسلّم لماذا كانت؟.. وبماذا أرغم الكافرين؟ وغفلوا عن تواضع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.. وتذللهم وفقرهم ومسكنتهم حتى عوتب عمر رضى الله عنه فى بذاذته عند قدومه إلى الشام فقال: إنا قوم عزنا الله بالإسلام.. ولا نطلب العزة فى غيره..
(1/3)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
ثم هذا المغرور يطلب العز للدين بالثياب الرفيعة.. ويزعم أنه يطلب عز الدين وشرفه.. ومهما أطلق اللسان فى الحسد فى أقرانه أو فيمن رد عليه شيئا من كلامه لم يظن بنفسه أن ذلك حسد.. ويقول: إنما هو غضب للحق ورد على المبطل فى عدوانه وظلمه.. وهذ مغرور.. فإنه لو طعن في غيره من العلماء من أقرانه ربما لم يغضب، بل ربما يفرح - وإن أظهر الغضب عند الناس بأنه يحبه.. وربما يظهر العلم ويقول: غرضى به أن أفيد الخلق.. وهو هراء لأنه لو كان غرضه صلاح الخلق لأحب صلاحهم على يد غيره ممن هو مثله أو فوقه.
وربما يدخل على السلطان ويتودد إليه ويثنى عليه.. فإذا سئل عن ذلك قال: إنما غرضى أن أنفع المسلمين.. وأن أرفع عنهم الضرر.. وهو مغرور. ولو كان غرضه ذلك فرح به إذا جرى على يد غيره ولو رأى من هو مثله عند السلطان يشفع فى أحد يغضب.. وربما أخذ من أموالهم فإن خطر بباله أنه حرام قال له الشيطان هذا مال لا مالك له وهو لمصالح المسلمين وأنت إمام المسلمين وعالمهم وبك قوام الدين.. وهذه ثلاثة تلبيسات.
أحدها: أنه مال لا مالك له.
والثانى: أنه لمصالح المسلمين.
والثالث: أنه إمام..
وهل يكون إماما إلا من أعرض عن الدنيا كالأنبياء والصحابة..
ومثله: قول عيسى عليه السلام: العالم السوء كصخرة وقعت فى الوادى فلا هى تشرب الماء ولا هى تترك الماء يخلص إلى الزرع..
وأصناف غرور أهل العلم كثيرة.. وما يفسد هؤلاء أكثر مما يصلحونه..
الفرقة الرابعة
وفرقة أخرى حكموا العلم.. وطهروا الجوارح وزينوها بالطاعات.. واجتنبوا ظاهر المعاصى.. وتفقدوا أخلاق النفس وصفات القلب من الرياء.. والحسد والكبر والحقد.. وطلب العلو.. وجاهدوا أنفسكم فى التبرى منها وقلعوا من القلب منابتها الجلية القوية.. ولكنهم مغرورون إذ بقى فى زوايا القلب بقايا من خفايا مكايد الشيطان.. خبايا خدع النفس ما دق وغمض.. فلم يفطنوا لها.. وأهملوها.. ومثالهم كمثل من يريد تنقية الزرع من الحشيش فدار عليه.. وفتش عن كل حشيش فقلعه.. إلا أنه لم يفتش عما لم يخرج رأسه بعد من تحت الأرض وظن أن الكل قد ظهر وبرز فلما غفل عنها ظهرت وأفسدت عليه الزرع. وهؤلاء إن غيروا تغيروا.. وربما تركوا مخالطة الخلق استكبارا.. وربما نظروا إليهم بعين الحقارة.. وربما يجتهد بعضهم فى تحسين نظمه لئلا ينظر إليه بعين الركاكة..
الفرقة الخامسة
وفرقة أخرى تركوا المهم من العلوم.. واقتصروا على علوم الفتاوى فى الحكومات والخصومات.. وتفصيل المعاملات الدنيوية الجارية بين الخلق لمصالح المعايش.. وخصصوا اسم الفقيه.. وسموه: الفقيه وعلم المذهب.. وربما ضيعوا مع ذلك علم الأعمال الظاهرة والباطنة ولم يتفقدوا الجوارح.. ولم يحرسوا اللسان من الغيبة والبطن عن الحرام.. والرجل عن السعى إلى السلاطين.. وكذلك سائر الجوارح.. ولم يحرسوا قلوبهم عن الكبر والرياء والحسد.. وسائر المهلكات.. وهؤلاء مغرورون من وجهين: احدهما: من حيث العمل وقد ذكرت وجه علاجه فى الإحياء، وأن مثالهم كمثل المريض الذى تعلم الدواء من الحكماء ولم يعلمه أو يعمله وهؤلاء مشرفون على الهلاك حيث أنهم تركوا تزكية أنفسهم وتخليتها.. فاشتغلوا بكتاب الحيض والديات والدعاوى والظهار واللعان.. وضيعوا أعمارهم فيها.. وإنما غرهم تعظيم الخلق لهم وإكرامهم ورجوع أحدهم قاضيا ومفتيا.. ويطعن كل واحد فى صاحبه.. وإذا اجتمعوا زال الطعن.
والثانى: من حيث العلم وذلك لظنهم أنه لا علم إلا بذلك وأنه المنجى الموصل.. وإنما المنجى الموصل حب الله.. ولا يتصور حب الله تعالى إلا بمعرفته..
بمن تتحقق معرفة الله؟ ومعرفته ثلاث: معرفة الذات، ومعرفة الصفات.. ومعرفة الأفعال.. ومثال هؤلاء مثال من اقتصر على بيع الزاد فى طريق الحاج.. ولم يعلم أن الفقه هو الفقه عن الله تعالى ومعرفة صفاته المخوفة. والزاجرة ليستشعر القلب الخوف.. ويلازم التقوى كما قال تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين).
(1/4)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
ومن هؤلاء من اقتصر من علم الفقه على الخلافيات ولا يهمه إلا العلم بطريق المجادلة والإلزام.. وإقحام الخصم، ودفع الحق لأجل المباهاة.. وهو طول الليل والنهار فى التفتيش فى مناقضات أرباب المذاهب، والتفقد لعيوب الأقران.. وهؤلاء لم يقصدوا العلم.. وإنما قصروا مباهاة الأقران ولو اشتغلوا بتصفية قلوبهم كان خيرا لهم من علم لا ينفع إلا فى الدنيا.. ونفعه فى الدنيا التكبر.. وذلك ينقلب فى الآخرة نارا تلظى..
وأما أدلة المذاهب فيشتمل عليها كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وما أقبح غرور هؤلاء.
الفرقة السادسة
وفرقة أخرى اشتغلوا بعلم الكلام والمجادلة والرد على المخالفين وتتبع مناقضاتهم..
واستكثروا من علم المقولات المختلفة.. واشتغلوا بتعلم الطريق فى مناظرة أولئك وإفحامهم.. ولكنهم على فرقتين: إحداهما: ضالة مضلة، والأخرى محقة.
أما غرور الفرقة الضالة فلغفلتها عن ضلالتها وظنها بنفسها النجاة.. وهو فرق كثيرة يكفر بعضهم بعضا.. وإنما ضلوا من حيث أنهم لم يحكموا شروط الأدلة ومناهجها.. فرأوا الشبه دليلاً.. والدليل شبهة.
وأما غرور المحقة، فمن حيث أنهم ظنوا بالجدال أنه أهم الأمور وأفضل القربات فى دين الله تعالى.. وزعمت أنه لا يتم لأحد دينه ما لم يتفحص ويبحث.. وإن من صدق الله تعالى من غير بحث وتحرير دليل فليس ذلك بمؤمن وليس بكامل ولا بمقرب عند الله، ولم يلتفتوا إلى القرن الأول.. وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم شهد لهم بأنهم خير الخلق ولم يطلب منهم الدليل وروى أبو أمامة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. أنه قال: (ما ضل قوم قط بعد هدى كانوا عليه. إلا أوتوا الجدل).
الفرقة السابعة
اشتغلوا بالوعظ.. وأعلاهم نية من يتكلم فى أخلاق النفس وصفات القلب.. من الخوف والرجاء.. والصبر والشكر والتوكل.. والزهد واليقين والإخلاص والصدق وهم مغرورون لأنهم يظنون بأنفسهم إذا تكلموا بهذه الصفات.. ودعوا الخلق إليها فقد اتصفوا بها.. وهم منفكون عنها إلا عن قدر يسير لا ينفك عنه عوام المسلمين.. وغرورهم أساس الغرور لأنهم يعجبون بأنفسهم غاية الإعجاب..
ويظنون أنهم ما تبحروا فى علم المحبة إلا وهم من الناجين عند الله تعالى وأنهم مغفور لهم بحفظهم لكلام الزهاد مع خلودهم من العمل وهؤلاء أشد غرورا ممن كان قبلهم لأنهم يظنون أنهم يحببون فى الله ورسوله.. وما قدروا على تحقيق دقائق الإخلاص إلا وهم مخلصون ولا وقفوا على خطايا عيوب النفس إلا وهم عنها منزهون.. وكذلك جميع الصفات.. وهم أحب فى الدنيا من كل أحد.. ويظهرون الزهد فى الدنيا لشدة حرصهم على الدنيا.. وقوة رغبتهم فيها.. ويحثون على الإخلاص وهم غير مخلصين.. ويظهرون الدعاء إلى الله وهم منه فارون ويخوفون بالله وهم منه آمنون ويذكرون بالله وهم له ناسون.. ويقربون إلى الله تعالى وهم منه متباعدون.. ويذمون الصفات المذمومة وهم بها متصفون ويصرفون الناس عن الخلق وهم على الخلق أشدهم حرصا.. لو منعوا عن مجالسهم التى يدعون فيها الناس إلى الله لضاقت عليهم الأرض بما رحبت ويزعمون أن غرضهم إصلاح الخلق.. ولو ظهر من أقرانه أحدهم ممن أقبل الخلق عليه ومن صلحوا على يديه لمات غما وحسدا.. ولو أثنى واحد من المترددين إليه على بعض أقرانه لكان أبغض خلق الله تعالى إليه، فهؤلاء أعظم الناس غرورا وأبعدهم عن التنبيه والرجوع إلى السداد.
الفرقة الثامنة
وفرقة أخرى منهم عدلوا عن المنهج الواجب فى الوعظ وهم وعاظ أهل هذا الزمان كافة إلا من عصمه الله تبارك وتعالى.. فاشتغلوا بالطامات.. والشطح وتلفيق كلمات خارجة عن قانون الشرع والعدل طلبا للإغراب.
وطائفة اشتغلوا بطيارات النكت ونسجيع الألفاظ وتلفيقها.. وأكثر همهم فى الأسجاع والاستشهاد بأشعار الوصال.. والفراق.. وغرضهم أن يكثر فى مجلسهم التواجد والزعقات ولو على أغراض فاسدة.. وهؤلاء شياطين الإنس ضلوا وأضلوا.. فإن الأولين إن لم يصلحوا أنفسهم فقد أصلحوا غيرهم وصححوا كلامهم ووعظهم.. وأما هؤلاء فإنهم يصدون عن السبيل.. ويجرون الخلق إلى الغرور بالله بلفظ الرجاء فيزيدهم كلامهم جرأة على المعاصى.. ورغبة فى الدنيا لا سيما إذا كان الواعظ متزينا بالثياب والخيل والمراكب ويقنطهم من رحمة الله تعالى.
(1/5)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
الفرقة التاسعة
وفرقة أخرى منهم فتنوا بكلام الزهاد وأحاديثهم فى ذم الدنيا فيعيدونها على نحو ما يحفظونه من كلام حفظوه من غير إحاطة بمعانيها.. فيعظهم بفعل ذلك على المنابر.. وبعضهم فى المحاريب.. وبعضهم فى الأسواق مع الجلساء.. ويظن أنه ناج عند الله.. وأنه مغفور له بحفظه لكلام الزهاد مع خلوه من العمل.. وهؤلاء أشد غرورا ممن كان قبلهم.
الفرقة العاشرة
وفرقة أخرى شغلوا أوقاتهم فى علم الحديث.. أعنى سماعه.. وجمع الروايات الكثيرة منه.. وطلب الأسانيد الغريبة العالية.. فهمة أحدهم أن يدور فى البلاد.. ويروى عن الشيوخ ليقول: أنا أروى عن فلان.. ورأيت فلانا.. ولقيت فلانا.. ومعى من الأسانيد مع ما ليس مع غيرى.. وغرورهم من وجوه: منها أنهم كحملة الأسفار فإنهم لا يصرفون العناية إلى فهم السنة وتدبر معانيها.. وإنما قاصرون على النقل.. ويظنون أن ذلك يكفيهم.. وهيهات.. بل المقصود من الحديث فهم وتدبر معانيه.. فالأول فى الحديث السماع.. ثم التفهم ثم الحفظ.. ثم العمل. ثم النشر.
وهؤلاء اقتصروا على السماع لا عمل.. ثم لم يحكموه.. وإن كان لا فائدة فى الاقتصار عليه والحديث فى هذا الزمان يقرئونه الصبيان وهم غرة غافلون.. والشيخ الذى يقرأ عليه ربما كان غافلا بحيث لو صحف وغير الحديث لا يعلم.. وربما ينام ويروى عنه الحديث وهو لا يعلم.. وكل ذلك غرور.. وإنما الأصل فى استماع الحديث أن يسمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.. أو من الصحابة.. أو من التابعين رضوان الله عليهم أجمعين.. ويصير سماعه من الصحابة كسماعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.. وهو يصغى ويحفظ.. ويرويه كما حفظه حتى لا يشك فى حرف واحد منه.. وإن شك فيه لم يجز له أن يرويه.. وحفظ الحديث يكون بطريقتين: إحداهما: بالقلب مع الاستدامة بالتكرار والذكر.
والثانية: يكتب كما يسمع.. ويصحح المكتوب.. ويحفظ كيلا تصل إليه يد من يغيره..
ويكون حفظه الكتاب أن يكون فى خزانته محروسا حتى لا تمتد عليه يد غيره أصلا.. ولا يجوز أن يكتب سماع الصبى والغافل والنائم ولو جاز ذلك أن يكتب سماع الصبى فى المهد.. وللسماع شروط كثيرة.
والمقصود من الحديث العمل به.. ومعرفته.. وله مفهومات كثيرة.. كما للقرآن..
وروى عن بعض المشايخ أنه حضر فى مجلس السماع وكان أول حديث سمعه قوله صلّى الله عليه وسلّم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).. فقام وقال: يكفينى هذا حتى أفرغ منه ثم أسمع غيره.. وهكذا يكون سماع الأكياس.. وهو أبو السعيد بن أبى الخير المنهى حضر فى مجلس ابن أحمد السرخسى.
الفرقة الحادية عشرة
وفرقة أخرى اشتغلوا بعلم النحو والشعر واللغة وغيرها.. واغتروا به وزعموا أنه غفر لهم.. وأنهم من علماء الأمة، إذ قوام الدين والسنة بعلم اللغة والنحو.. فأفنوا أعمارهم فى دقائق النحو واللغة.. وذلك غرور.. فلو عقلوا لعلموا أن لغة العرب كلغة الترك.. والمضيع عمره فى لغة العرب كالمضيع عمره فى لغة الترك والهند.. وإنما فارقهم لورود الشرع، فيكفى فى اللغة علم الغريبين فى الأحاديث والكتاب.. ومن النحو ما يتعلق بالحديث والكتاب..
وأما التعمق إلى درجات لا تتناهى فهو فضول مستغنى عنه. وصاحبه مغرور.
الصنف الثانى
من المغرورين أرباب العبادات والأعمال
والمغرورون فرق كثيرة..
فمنهم من غروره فى الجهاد، ومنهم من غروره فى الزهد..
الفرقة الأولى
فمنهم فرقة أهملوا الفرائض.. واشتغلوا بالنوافل. وربما تعمقوا حتى خرجوا إلى السرف والعدوان كالذى تغلب عليه الوسوسة فى الوضوء فيبالغ فيه.. ولا يرضى الماء المحكوم بطهارته فى فتوى الشرع.. ويقدر الاحتمالات البعيدة قريبة من النجاسة.. وإذا آل الأمر إلى أكل الحلال قدر الاحتمالات القريبة، بعيدة وربما أكل الحرام المحض..
ولو انقلب بهذا الاحتياط من الماء إلى الطعام لكان أولى وتشبه بسيرة الصحابة رضى الله عنهم.. إذ توضأ عمر رضى الله عنه بماء فى جرة نصرانية مع ظهور احتمال النجاسة.. وكان مع هذا يدع أبوابا من الحلال وخوفا من الوقوع فى الحرام.
الفرقة الثانية
(1/6)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
وفرقة أخرى غلب عليهم الوسوسة فى نية الصلاة فلا يدعه الشيطان يعتقد نية صحيحة.. بل يوسوس عليه حتى تفوته الجماعة.. وتخرج الصلاة عن الوقت.. وإن تم تكبيرة الاحرام فيكون فى قلبه تردد.. فى صحة نيته.. وقد يتوسوس فى التكبيرة فيكون قد تغير صفة التكبير لشدة الاحتياط.. ويفوته سماع الفاتحة.. ويفعلون ذلك فى أول الصلاة..ثم يفعلون فى جميع الصلاة.. ولا يهزون قلوبهم ويغترون بذلك.. ولم يعلموا أن حضور القلب فى الصلاة هو الواجب.. وإنما غرهم إبليس وزين لهم.. وقال لهم: هذا الاحتياط تتميزون به عن العوام وأنتم على خير عند ربكم.
الفرقة الثالثة
وفرقة أخرى غلب عليها الوسوسة فى إخراج حروف الفاتحة.. وسائر الأذكار من مخارجها.. فلا تزال تحتاط فى التشديدات.. والفرق بين الضاد والظاء.. لا يهمه غير ذلك ولا يتفكر فى أسرار الفاتحة ولا فى معانيها.. ولم يعلم أنه لم يكلف الخلق فى تلاوة القرآن من تحقيق مخارج الحروف إلا ما جرت به عادتهم فى الكلام..
وهذا غرور عظيم.. ومثالهم مثال من حمل رسالة إلى مجلس السلطان وأمر أن يؤديها على وجهها.. فأخذ يؤدى الرسالة ويتأنق فى مخارج الحروف ويكررها ويعيدها مرة بعد أخرى وهو مع ذلك غافل عن مقصود الرسالة.. ومراعاة حرمة المجلس.. وبهذا يرد إلى دار المجانين ويحكم عليه بفقد العقل.
الفرقة الرابعة
وفرقة أخرى اغتروا بقراءة القرآن.. فيهدرونه هدرا.. وربما يختمونه فى اليوم والليلة ختما.. وألسنتهم تجرى به.. وقلوبهم تتردى فى أودية الأماني والتفكر فى الدنيا.. ولا يتفكر فى معانى القرآن..لينزجر بزواجره.. ويتعظ بمواعظه.. ويقف عند أوامره ونواهيه.. ويعتبر بمواضع الاعتبار منه.. ويتلذذ به من حيث المعنى لا من حيث النظم.. ومن قرأ كتاب الله تعالى فى اليوم والليلة مائة مرة.. ثم ترك أوامره ونواهيه فهو مستحق العقوبة.. وربما قد يكون له صوت لين فهو يقرأ ويتلذذ به.. ويغتر باستلذاذه.. ويظن أن ذلك مناجاة الله سبحانه تعالى.. وسماع كلامه.. وهيهات ما أبعده.. إذا لذاته فى صوته.. ولو أدرك لذة كلام الله تعالى ما نظر إلى صوته وطيبه..ولا تعلق خاطره به.. ولذة كلام الله إنما هى من حيث المعنى..
الفرقة الخامسة
وفرقة أخرى اغتروا بالصوم.. وربما صاموا الدهر.. وصاموا الأيام الشريفة وهم فيها لا يحفظون ألسنتهم من الغيبة.. ولا خواطرهم من الربا.. ولا بطونهم من الحرام عند الافطار ولا من الهذيان من أنواع الفضول.. وذلك غرور عظيم.. وهؤلاء تركوا الواجب.. وأبقوا المندوب.. فظنوا أنهم يسلمون.. وهيهات.. إنما يسلم من أتى الله بقلب سليم..
الفرقة السادسة
وفرقة أخرى أخذت فى طريق الخشية والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ينكر على الناس.. ويأمرهم بالخير.. وينسى نفسه!.. وإذا أمرهم بالخير عنف وطلب الرياسة والعزة.. وإذا باشر منكرا أنكر عليه.. وغضب وقال: أنا المحتسب.. فكيف تنكر علىَّ.. وقد تجمع الناس فى مجلسه أو مسجده.. ومن تأخر عنه أغلظ عليه القول.. وإنما غرضه الرياء والسمعة وحب الرئاسة.. وعلامة أنه لو قام بالمسجد غيره تجرأ عليه..
بل منهم من يؤذن ويظن أنه يؤذن لله تعالى.. ولو جاء غيره وأذن فى وقت غيبته قامت عليه القيامة.. وقال: لم أخذ حقى؟!.. وزوحمت؟!..
ومنهم من يتقيد أمام مسجد ويظن أنه على خير.. وإنما غرضه أن يقال: إنه إمام المسجد.. وعلامته: أنه لو قدم غيره وإن كان أروع منه.. وأعلم.. ثقل عليه ذلك..
الفرقة السابعة
وفرقة أخرى جاوروا بمكة والمدينة واغتروا بهما.. ولم يراقبوا قلوبهم.. ولم يطهروا ظواهرهم وبواطنهم.. وربما كانت قلوبهم متعلقة ببلادهم.. وتراهم يتحدثون بذلك.. ويقولون: جاورنا بمكة كذا كذا سنة.. وهم مغرورون لأن الأقوم لهم أن يكونوا ببلدة وقلوبهم متعلقة بمكة.. وإن جاور أحدهم يجب عليه أن يحفظ حق الجوار.. فإن جاور بمكة حفظ حق الله تعالى.. وإن جاور بالمدينة حفظ حق النبى صلّى الله عليه وسلم.. ومن يقدر على ذلك؟.. وهؤلاء مغرورون بالظواهر.. وظنوا أن الحيطان تنجيهم.. وهيهات.. وربما لا تسمح نفسه بلقمة يتصدق بها على فقير.. وما أصعب المجاورة فى حق الخلق.. فكيف بمجاورة الخالق!.. وما أحسن مجاورته بحفظ جوارحه وقلبه..
الفرقة الثامنة
(1/7)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
وفرقة أخرى زهدت فى المال وقنعت من الطعام واللباس بالدون.. ومن السكن بالمساجد. وظنت أنها أدركت رتبة الزهاد.. وهم مع ذلك راغبون فى الرياسة والجاه.. والزهادة إنما تحصل بأحد أشياء: إما بالتعلم أو بالوعظ.. أو بمجرد الزهد.. فلقد تركوا أهون الأمرين.. وباءوا بأعظم المهلكات.. فإن الجاه أعظم من المال.. ولو أخذ المال وترك الجاه.. كان إلى السلامة أقرب.. وهؤلاء مغرورون بظنهم أنهم من الزهاد فى الدنيا.. ولم يفهموا كيف مكر بهم.. وربما تقدم الأغنياء على الفقراء..
ومنهم من يعجب بعلمه.. ومنهم من يؤثر الخلوة وهو عن شروطها خال.. ومنهم من يعطى المال فلا يأخذه خيفة أن يقال بطل زهده.. وهو راغب فى الدنيا.. خائف من ذم الناس.. ومنهم من شدد على نفسه فى أعمال الجوامع.. حتى يصلى فى اليوم مثلا ألف ركعة ويختم القرآن وهو فى جميع ذلك لا يخطر له مراعاة القلب وتفقده وتطهيره من الرياء والكبر والعجب وسائر المهلكات.. وربما يظن أن العبادة الظاهرة ترجح بها كفة الحسنات.. وهيهات ذرة من ذى تقوى.. وخلق واحد من خلق الأكياس أفضل من أمثال الجبال عملا بالجوارح.. ثم قد يغتر بقول من يقول له: إنك من أوتاد الأرض.. وأولياء الله وأحبائه.. فيفرح لذلك.. ويطهر له تزكية نفسه.. ولو شوتم يوما واحدا ثلاث مرات أو مرتين لكفر وجاهد من فعل ذلك به.. وربما قال لمن سبه: لا يغفر الله لك أبدا..
الفرقة التاسعة
وفرقة أخرى حرصت على النوافل، ولم يعظم اعتدادها بالفرائض.. فتارة يفرح بصلاة الضحى، وصلاة الليل.. وأمثال هذه النوافل، فلا يجد لصلاة الفريضة لذة ولا خير من الله تعالى، لشدة حرصه على المبادرة فى أول الوقت.. وينسى قوله صلّى الله عليه وسلّم: (ما تقرب المتقربون بأفضل ما افترضه الله عليهم).
وترك الترتيب بين الخيرات من جملة الغرور.. بل قد يتعين على الإنسان فرضان: أحدهما يفوت والآخر لا يفوت.. أو نفلان أحدهما يضيق وقته والآخر متسع وقته.. فإن لم يحفظ الترتيب كان مغرورا.. ونظائر ذلك أكثر من أن تحصى.. فإن المعصية ظاهرة.. وإنما الغامض تقديم بعض الطاعات على بعض.. كتقديم الفرائض كلها على النوافل.. وتقديم فروض الأعيان على فروض الكفايات التى لا قائم بها على ما قدم بها غيره.. وتقديم الأهم من فروض الأعيان على ما دونه.. وتقديم ما يفوت مثل تقديم حق الوالدة على الوالد.. وتقديم الدين على القروض غيره.. وما أعظم العبد أن ينفذ ذلك.. ويرتبه.. ولكن الغرور فى الترتيب دقيق خفى لا يقدر عليه إلا العلماء الراسخون فى العلم رضى الله عنهم وغفر لهم.
الصنف الثالث
من المغرورين أرباب الأموال وفرقهم
الفرقة الأولى
فرقة منهم يحرصون على بناء المساجد والمدارس والرباطات والصهاريج للماء.. وما يظهر للناس.. ويكتبون أسماءهم بالآجر عليه.. ليتخلده ذكرهم، ويبقى بعد الموت أثرهم.. وهم يظنون أنهم استحقوا المغفرة بذلك.. وقد اغتروا فيه من وجهين..
أحدهما: أنهم قد اكتسبوها من الظلم والشبهات والرشا والجهات المحظورة.. وهم قد تعرضوا لسخط الله فى كسبها.. فإذن قد عصوا الله فى كسبها.. فالواجب عليهم فى التوبة ردها إلى ملاكها إن كانوا أحياء أو إلى ورثتهم.. فإن لم يبق منهم أحد وانقرضوا فالواجب صرفها فى أهم المصالح.. وربما يكون الأهم التفرقة على المساكين.. وأى فائدة فى بنيان يستغنى عنه ويتركه ويموت.. وإنما غلب على هؤلاء الرياء والشهرة ولذة الذكر..
والوجه الثانى: أنهم يظنون بأنفسهم الإخلاص وقصد الخير فى الانفاق.. وعلو الأبنية.. ولو كلف أحد منهم أن ينفق دينارا على مسكين لم تسمح نفسه بذلك.. لأن حب المدح مستكن فى باطنه.
الفرقة الثانية
وفرقة أخرى ربما اكتسبوا الحلال.. واجتنبوا الحرام وأنفقوه على المساجد، وهى أيضا مغرورة من وجهين: أحدهما: الرياء وطلب السمعة والثناء.. فإنه ربما يكون فى جواره أو بلده فقراء، وصرف المال إليهم أهم.. فإن المساجد كثيرة والغرض منها الجامع وحده فيجزئ عن غيره.. وليس الغرض بناء المسجد فى كل سكة وفى كل درب والمساكين والفقراء محتاجون.
(1/8)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
وإنما خف عليهم دفع المال فى بناء المساجد لظهور ذلك بين الناس.. ولما يسمع من الثناء عليه من الخلق، فيظن أنه يعمل لله وهو يعمل لغير الله.. والله أعلم بذلك.. وإنما نيته عليه غضب.. وإنما قال: قصدت أنه لله تعالى.
والثانى: أنه يصرف ذلك فى زخرفة المساجد وتزيينها بالنقوش المنهى عنها.. الشاغلة قلوب المصلين لأنهم ينظرون إليها وتشغلهم عن الخشوع فى الصلاة.. وعن حضور القلب.. وهو المقصود..
وكلما طرأ على المصلين فى صلاتهم وفى غير صلاتهم فهو فى رقبة البانى للمسجد.. إذ لا يحل تزيين المسجد بوجه..
قال الحسن رضى الله عنه: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما أراد أن يبنى مسجده بالمدينة أتاه جبريل فقال له: (ابنه سبعة أذرع طولاً فى السماء لا تزخرفه ولا تنقشه).
وغرور هؤلاء أنهم رأوا المنكر معروفا فاتكلوا عليه.
الفرقة الثالثة
وفرقة أخرى ينفقون الأموال فى الصدقات على الفقراء والمساكين.. ويطلبون بها المحافل الجامعة.. ومن الفقراء من عادته الشكر..والإفشاء للمعروف.. ويكرهون التصدق فى السر.. ويرون إخفاء الصدقة للفقير لما يأخذه منهم خيانة عليهم.. وكفرانا..وربما تركوا جيرانهم جائعين.. ولذلك قال ابن عباس رضى الله عنهما: (فى آخر الزمان يكثر الحاج بلا سبب.. يهوى لهم السفر.. ويبسط لهم فى الرزق ويرجعون مجرمين مسلوبين.. يهوى بأحدهم بعيره بين القفار والرمال.. وجاره مأسور إلى جنبه فلا يواسيه.. ولا يتفقده)..
الفرقة الرابعة
وفرقة أخرى من أرباب الأموال.. يحفظون الأموال.. ويمسكونها بحكم البخل ويشتغلون بالعبادات الدينية التى لا يحتاجون فيها إلى نفقة.. كصيام النهار.. وقيام الليل.. وختم القرآن.. وهؤلاء مغرورن.. لأن البخل المهلك قد استولى على باطنهم.. فهم محتاجون إلى قمعه بإخراج المال.. فاشتغلوا بطلب فضائل وهم مشتغلون عنها.. ومثالهم مثال من دخلت فى ثوبه حية.. وقد أشرف على الهلاك.. وهم مشغول عنها بطلب السكنجبين ليسكن به الصفراء.. ومن لدغته الحية كيف يحتاج إلى ذلك؟!.. ولذلك قيل لبشر الحافى: إن فلانا كثير الصوم والصلاة.. فقال: المسكين ترك حاله.. ودخل فى حال غيره.. وإنما حال هذا إطعام الطعام للجائع.. والإنفاق على المساكين.. فهو أفضل له من تجويع نفسه.. ومن صلاته.. مع جمعه للدنيا ومنعه للفقراء..
الفرقة الخامسة
وفرقة أخرى غلب عليهم البخل.. فلا تسمح نفوسهم إلا بأداء الزكاة فقط.. ثم إنهم يخرجونها من المال الخبيث الردئ الذى يرغبون عن.. ويطلبون من الفقراء من يخدمهم.. ويتردد فى حاجاتهم.. أو من يحتاج إليه فى المستقبل للاستئجار لهم فى الخدمة.. ومن لهم فيه غرض.. ويسلمونها إلى شخص بعينه واحد من الكبار.. ممن يستظهر بخشيته.. لينال بذلك عنده منزلة.. فيقوم بحاجته.. وكل ذلك مفسد للنية.. ومحبط للعمل.. وصاحبه مغرور.. يظن أنه مطيع لله تعالى.. وهو فاجر.. إذا يطلب بعبادة الله تعالى عوضا من غيره.. فهذا وغيره وأمثاله مغرورون بالأموال..
الفرقة السادسة
وفرقة أخرى من عوام الخلق وأرباب والأموال والفقراء.. اغتروا بحضور مجالس الذكر.. واعتقدوا أن ذلك يغنيهم ويكفيهم.. فاتخذوا ذلك عادة ويظنون أن لهم على مجرد سماع الوعظ دون العمل.. ودون الاتعاظ أجرا.. وهم مغرورن لأن فضل مجالس الذكر لكونها رغبة فى الخير.. وإذا لم تهج الرغبة فلا خير فيها.. والرغبة محمودة.. لأنها تبعث على العمل.. وإن لم تبعث على العمل فلا خير فيها.. وربما يغتر بما يسمعه من الوعظ.. وإنما يداخله رقه كرقة النساء فيبكى!.. وربما يسمع كلاما مخوفا فلا يزال يصفر بين يديه ويقول: يا سلام سلم!.. ونعوذ بالله!.. والحمد لله.. وحسبى الله ولا حول ولا قوة إلا بالله!.. ويظن أنه قد أتى بالخير كله.. وهو مغرور.. ومثاله مثال المريض.. الذى يحضر إلى مجالس الأطباء.. ويسمع ما يصفونه من الأدوية ولا يعقلها.. ولا يشتغل بها ويظن أنه يجد الراحة بذلك. والجائع الذى يحضر عنده من يصف له الأطعمة اللذيذة..
فكل وعظ لا يغير منك صفة تغير بدونها أفعالك.. حتى تقبل على الله وتعرض عن الدنيا.. وتقبل إقبالاً قويا.. وإن لم تفعل فذلك الوعظ زيادة حجة عليك.. فإذا رأيته وسيلة لك كنت مغرورا.
الصنف الرابع
من المغرورين المتصوفة
(1/9)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
وما أغلب الغرور على هؤلاء المغرورين!!
الفرقة الأولى
منهم متصوفة أهل هذا الزمان إلا من عصمه الله.. اغتروا بالزى والمنطق والهيبة.. فشابهوا الصادقين من الصوفية فى زيهم وهيئتهم وألفاظهم.. وآدابهم.. ومراسمهم.. واصطلاحاتهم.. وأموالهم الظاهرة فى السماع.. والرقص.. والطهارة.. والصلاة.. والجلوس على السجادة مع إطراق الرأس.. وإدخاله فى الجيب كالمتفكر وفى أنفاس الصعداء.. وفى خفض الصوت فى الحديث.. وفى الصياح.. إلى غير ذلك.. فلما تعلموا ذلك ظنوا أن ذلك ينجيهم.. ولم يتعبوا أنفسهم قط بالمجاهدة.. والرياضة والمراقبة للقلب فى تطهير الباطن والظاهر من الآثار الخفية والجلية.. وكل ذلك من منازل الصوفية.. ثم إنهم يتكالبون على الحرام والشبهات.. وأموال السلاطين.. ويتنافسون فى الرغيف.. والفلس والحبة.. ويتحاسدون على النقير والقطمير..ويمزق بعضهم أعراض بعض مهما خالفه فى شئ من غرضه.. وهؤلاء مغرورن.. ومثالهم مثال عجوز سمعت أن الشجعان والأبطال والمقاتلين ثبتت أسماؤهم فى الديوان فتزيت بزيهم.. ووصلت إلى الملك.. فعرضت على ميزان العرض. فوجدت عجوز سوء.. فقيل لها: أما تستحين فى استهتارك بالملك؟! اطرحوها حول الفيل.. فطرحوها حول الفيل فركضها.. حتى ماتت..
الفرقة الثانية
وفرقة أخرى ازدادت على هؤلاء فى الغرور.. إذا صعب عليها الاقتداء فى بذاذة الثياب.. والرضا بالدون فى المطعم والمنكح والمسكن.. وأرادت أن تتظاهر بالتصوف.. ولم تجد بدا من التزيى بزيهم.. فتركت الخز والإبريسم.. وطلبت المرقعات النفسية.. والفوط الرقيقة.. والسجادة المصبوغة.. وقيمتها أكثر من قيمة الخز والإبريسم.. ولا يجتنبون معصية ظاهرة.. فكيف باطنه.. وإنما غرضهم رغد العيش.. وأكل أموال السلاطين.. وهم مع ذلك يظنون بأنفسهم الخير.. وضرر هؤلاء أشد من ضرر اللصوص.. لأن هؤلاء يسرقون القلوب بالزى.. ويقتدى بهم الغير.. فيكون بسبب هلاكهم.. وإن اطلع على فضائحهم ربما ظن أهل التصوف كذلك.. فيصرح بذم الصوفية على الإطلاق..
الفرقة الثالثة
وفرقة أخرى ادعت علم المكاشفة.. ومشاهدة الحق.. ومجاوزة المقامات.. والوصول والملازمة فى عين الشهود.. والوصول إلى القرب.. ولا يعرف ذلك.. ولا وصل إليه باللفظ والإثم.. ويلفق من الألفاظ الطامة كلمات.. فهو يردها.. ويعلن أن ذلك أعلى من علم الأولين والآخرين.. وهو ينظر إلى الفقراء والمقرئين.. والمفسرين والمحدثين.. وأصناف العلماء بعين الازدراء فضلا عن العوام.. حتى أن الفلاح ليترك فلاحته. والحايك حياكته.. ويلازمهم أياما معدودة.. ويتلقف تلك الكلمات الزائفة.. فتراه يرددها كأنه يتكلم عن الوحى.. ويخبر عن أسرار الأسرار ويستحقر بذلك جميع العباد والعلماء.. فيقول فى العباد: أجراء متعبدون.. ويقول فى العلماء: إنهم بالحديث محجوبون.. ويدعى لنفسه أنه الواصل إلى الحق.. وأنه من المقربين.. وهو عند الله من الفجار المنافقين.. وعند أرباب القلوب من الحمقى الجاهلين.. لم يحكم قط علماً.. ولا يهذب خلقاً.. ولا يراقب قلباً سوى اتباع الهوى.. وتلفيق الهذيانات.. ولو اشتغلوا بما ينفعهم كان أحسن لهم..
الفرقة الرابعة
(1/10)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
وفرقة أخرى جاورت هؤلاء فأحسنت الأعمال.. وطلبت الحلال.. واشتغلت بتفقد القلب.. وصار أحدهم يدعى المقامات من الزهد.. والتوكل.. والرضا.. والحب من غير وقوف على حقيقة هذه المقامات وشروطها وعلاماتها وآفاتها.. فمنهم من يدعى الوجد وحب الله تعالى.. ويزعم أنه واله بالله تعالى.. ولعله قد يتخيل بالله تعالى خيالات فاسدة هى بدعة وكفر.. فيدعى حب الله تعالى وقيل معرفته.. وذلك لا يتصور قط.. ثم إنه لا يخلو من مفارقة ما يكره الله تعالى.. وإيثار هوى نفسه على أمر الله تعالى.. وعن ترك الأمور حياء من الخلق.. ولو خلا ما تركها حياء من الله تعالى.. وليس يدرى أن كل ذلك يناقض الحب.. وبعضهم ربما يميل إلى القناعة والتوكل فيخوض البوادى من غير زاد ليصحح التوكل.. وليس يدرى أن ذلك بدعة لم تنقل عن السلف والصحافة رضى الله عنهم أجمعين.. وقد كانوا أعرف بالتوكل منه.. وما فهموا من التوكل المخاطرة بالروح وترك الزاد.. بل كانوا يأخذون الزاد وهم متوكلون على الله تعالى على لا الزاد.. وهذا ربما يترك الزاد وهو متوكل على سبب من الأسباب واتقى به.. وما مقام من المقامات المنجية إلا وفيها غرور.. وقد اعتبرها قوم.. وقد ذكرنا مداخل الآفات فيها ربع المنجيات فى الإحياء.
الفرقة الخامسة
وفرقة أخرى ضيقت على أنفسها أمر القوت حتى طلبت منه الحلال الخالص.. وأهملت تفقد القلب والجوارح فى غير هذه الخصلة الواحدة.. ومنهم من أهمل الحلال فى مطعمه وملبسه ومكسبه فيتعمق فى ذلك.. ولم يدر المسكين أن الله تعالى لم يرض من العباد إلا بالكمال فى الطاعات، فمن اتبع البعض وأهل البعض فهو مغرور.
الفرقة السادسة
وفرقة أخرى ادعت حسن الخلق والتواضع والسماحة. وقصدوا الخدمة للصوفية.. فجمعوا قوما وتكلفوا خدمتهم.. واتخذوا ذلك شبكة لحطام الدنيا.. وجمعا للمال.. وإنما غرضهم التكثير، والتكبير.. وهم يظهرون أن غرضهم الخدمة والتبعية.. ثم إنهم يجمعون من الحرام والشبهات لينفقوا عليهم.. ليكثر أتباعهم.. وينشر بالخدمة اسمهم.. وبعضهم يأخذ من أموال السلطان وينفق عليهم.. وبعضهم يأخذها لينفق فى طريق الحج على الصوفية.. ويزعم أن غرضهم البر والإنفاق.. وباعث جميعهم الرياء والسمعة.. وذلك بإهمالهم لجميع أوامر الله تعالى ظاهرا.. ورضاهم بأخذ الحرام والإنفاق منه.. ومثال ذلك: كالذى ينفق ماله فى طريق الحاج.. وكمن يعمر مسجد الله تعالى ويطينه بالعذرة ويزعم أن قصده العمارة..
الفرقة السابعة
وفرقة أخرى اشتغلت بالمجاهدة وتهذيب الأخلاق.. وتطهير النفس من عيوبها.. وصاروا يتعمقون فيها.. فاتخذوا البحث عن عيوب النفس ومعرفة خداعها علما وحرفة لهم.. فهم فى جميع الأحوال يشتغلون بالفحص عن عيوب النفس.. واستنباط دقيق الكلام فى آفاتها.. فيقولون: هذا فى النفس عيب.. والغفلة فى كونه عيبا عيب.. ويشتغلون فيها بكلمات متلبسة.. وضيعوا فى ذلك أوقاتهم.. وكأنهم وقفوا مع أنفسهم.. ولم يشتغلوا بخالقهم.. فمثالهم مثال من اشتغل بأوقات الحج وعوائقه.. ولم يسلك طريق الحج.. وذلك لم يغنه عن الحج..
الفرقة الثامنة
وفرقة أخرى جاوزت هذه المرتبة.. وابتدأوا سلوك الطريق.. وانفتحت لهم أبواب المعرفة.. فكلما شموا من مبادئ المعرفة رائحة تعجبوا منها.. وفرحوا بها.. وأعجبهم غراسها.. فتعلقت قلوبهم بالالتفات إليها.. والتفكر فيها.. وفى كيفية انفتاح بابها عليهم.. واشتدادها على غيرهم.. وكل ذلك غرور.. لأن عجائب طريق الله تعالى ليس لها نهاية.. فمن وقف مع كل أعجوبة.. وتقيد بها قصرت خطاه.. وحرم الوصول إلى المقصد.. ومثاله مثال من قدم على ملك.. فرأى باب ميدانه روضة فيها أزهار وأنوار.. ولم يكن قد رآها قبل ذلك.. ولا رأى مثلها.. فوقف ينظر إليها حتى فاته الوقت الذى يمكنه اللقاء بالملك فانصرف خائبا.
الفرقة التاسعة
(1/11)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
وفرقة أخرى جاوزت هؤلاء.. ولم تلتفت إلى ما يفيض عليهم من الأنوار فى الطريق.. ولا إلى ما تيسر لهم من العطايا الجزيلة.. ولم يلتفتوا إليها.. ولا عرجوا عليها.. جادين فى السير.. فلما قاربوا الوصول ظنوا أنهم وصلوا.. فوقفوا.. ولم يتعدوا ذلك.. وغلطوا.. فإن لله سبعين حجابا من نور وظلمة.. ولا يصل السالك إلى حجاب من تلك الحجب إلا ويظن أنه قد وصل.. وإليه الإشارة بقوله تعالى إخبار عن إبراهيم عليه أفضل الصلاة والسلام إذ قال: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا) الآية.. وما أكثر الحجب فى هذا المقام.
فأول حجاب بين العبد وربه نفسه.. فإنه أمر ربانى عظيم.. وهو نور من أنوار الله تعالى.. أعنى سر القلب الذى سيجلى حقيقة الحق كما هو حتى أنه يسمع جملة العالم كله.. ويحيط به صور الورى.. فعند ذلك سيشرق نوره إشراقا عظيما.. إذ يظهر فيه الوجود كله على ما هو عليه.. وهو فى أول الأمر محجوب بمشكاة هى الساترة له.. فإذا تجلى نوره وانكشف جمال القلب بعد إشراق نور الله تعالى عليه.. ربما التفت صاحب القلب إلى القلب.. فرأى من جماله الفائق ما يدهشه.. فربما صرح وقال: أنا الحق.. فإن لم يتضح ما وراء ذلك.. ووقف عنك هلك.. وبهذه العين نظر النصارى إلى المسيح عليه الصلاة والسلام.. لما رأوا من إشراق نور الله تعالى عليه..فغلطوا.. كمن رأى كوكبا فى مرآة.. أو فى ماء.. فيظن أن الكواكب المرآة.. فيمد يده ليأخذه.. فهو مغرور..
هل هناك أنواع أخرى فى طريق السلوك؟
وأنواع الغرور فى طريق السلوك إلى الله..لا تستقصى إلا بعد شرح جميع العلوم الخفية.. وذلك لا رخصة فى ذكره.. وقد يجوز إظهاره حتى لا يقع المغرور فيها.. وبالله التوفيق.. وهو حسبى ونعم الوكيل.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم..
تم ذلك بحمد الله وعونه على يد كاتبه لنفسه ولمن شاء الله من بعده راجى عفو ربه القريب المجيب الفقير عثمان ابن العلامة الشيخ سلمان الشافعى السويفى غفر الله ولوالديه وللمسلمين.. وصلّى الله على محمد وآله وصحبه.
(1/12)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}


في تفريج الكروب
إعداد
أ.د. فالح بن محمد بن فالح الصغير
الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على هادي الأنام وخاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الأعمال الصالحة جميعها تشفع أحيانًا للإنسان في الحياة الدنيا، كما جاء في آيات وأحاديث كثيرة، وتفرج عنه بعض مآسيه ومعاناته، وتكشف عنه كرباته وآلامه، مع العلم أن الله تعالى ليس بحاجة إلى أعمال الإنسان وطاعاته وعباداته ولكنها رحمته وفضله على عباده.
وهذا الكلمات عرض لتأثير العمل الصالح في تفريج الكربات بشقيها النفسية والمادية، أسأل الله تعالى أن ينفع بها إنه سميع قريب.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه(1).
كتبه
فالح بن محمد بن فالح الصغير
البريد الإلكتروني
falehmalsgair@Yahoo.com
***
أنواع الكربات
أولاً: الكربات النفسية:
وهي تشمل كل الأمراض النفسية والانفعالات العصبية التي تعصف بالإنسان خارج حدوده الطبيعية وتنزع منه الإرادة لضبط النفس وتقويم السلوك، وهذه الكروب كثيرة جدًا قد تفردت بها أبحاث ومحاضرات، إلا أننا يمكن أن نتطرق إلى بعضها التي كثر انتشارها وتوسعت دائرة المصابين بها، ومنها:
1- الهم:
__________
(1) أصل هذه الرسالة مستلة من كتاب (حديث الرهط الثلاثة الذين آواهم الغار- دراسة حديثية دعوية نفسية). واستلت لأهميتها [الناشر].
(1/1)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
وهو زيادة في التفكير المستمر بالأشياء، سواء كانت كبيرة وعظيمة، أو صغيرة وحقيرة، وكذلك التفكير المتستمر في كيفية حمل أثقال المستقبل ومسئولياته، وهو داء نفسي يدخل إلى النفس من خلال وساوس الشيطان للإنسان بعظم الأمور التي تحدث حوله وإن كانت صغيرة، ويعد الهم من الكروب التي يرزح تحت وطأتها الإنسان في فترات من حياته، لاسيما إذا صرف عن دين الله وابتعد عن سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، واتبع ما يوسوس إليه عدوه الأول، فعندئذ يبتلي الله تعالى هذا الصنف من الناس بكربة الهم عقوبة لمعصية أو ابتلاء للرجوع إلى الله تعالى واتباع نهجه.
وكان السبيل لتفريج كربة الهم هو أن يقدم الإنسان بين يدي الله تعالى عملاً صالحًا خالصًا له عز وجل، أو يترك ما كان عليه من العصيان والتمرد، ويرجع إلى الله بالتضرع والتوسل إليه، وقراءة القرآن وكثرة الاستغفار، لعل الله أن يزيل عنه همه وتعود إليه عافيته وسويته، وقد ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا من علاج هذا الكرب، ووسيلة الخروج منه عند نزوله بالإنسان، فقال عليه الصلاة والسلام: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب»(1).
وقد علمنا الرسول الأمين عليه الصلاة والسلام دعاء في لحظات الهم والحزن فقال: «ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله عز وجل همه وأبدله مكان حزنه فرحًا»(2).
__________
(1) «سنن أبي داود» رقم (1518)، ص (224)، ورواه ابن ماجه (3189)، ص (545).
(2) «مسند أحمد» رقم (4318)، ص (362).
(1/2)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
لذلك كان عليه الصلاة والسلام يتعوذ من الهم كثيرًا ويحث على هذا الدعاء: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال»(1).
2- الحزن:
وهو ما يسمى الكآبة في علم النفس، ويكون في الغالب نتيجة حدث معين في الحياة أو مجموعة أحداث من: فقدان عزيز أو خسارة مالية، أو مرض، أو وضع اجتماعي غير مناسب، وغيرها من الأسباب التي تؤدي إلى تكوين الحزن لدى الإنسان وهو أمر طبيعي يعتري كل إنسان، وهو فطرة في النفس كامنة فيها إذا وجدت أسبابها، لا يستطيع أحد التخلص منه إلا بالعلاج القرآني والنبوي، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند موت ابنه إبراهيم: «إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون»(2)، وقبل ذلك اشتكى يعقوب عليه السلام حزنه إلى الله تعالى عندما فقد يوسف عليه السلام، وقال: { إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ } [يوسف: 86].
إلا أن هذه الفطرة إذا استمرت لفترات طويلة واستسلم الإنسان لها في كل أوقاته، وازداد في التفكير على ما أصابه، فإنها تتحول إلى كربة نفسية يجب معالجتها كأي مرض آخر، وحينئذ تتحول إلى بوابة كبيرة يستطيع الشيطان أن يدخل إلى الإنسان من خلالها، ويفعل فيه ما يشاء من الوساوس وتزيين المعاصي والمنكرات له.
__________
(1) «صحيح البخاري» رقم (6369)، ص (1106)، و «صحيح مسلم» رقم (2706)، ص (1176).
(2) «صحيح البخاري»، رقم (1303)، ص (208، 209). و «صحيح مسلم»، رقم (2315)، ص (1022، 1023).
(1/3)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
ودرءًا لمنع وقوع الإنسان في دائرة الحزن الذي يتحول إلى مرض كانت الأحاديث الكثيرة التي تنهى عن المبالغة في الحزن عند نزول مصيبة أو غيرها، حتى لا يقع الإنسان في المنكرات، ويجزع من أمر الله تعالى، وقد علم عليه الصلاة والسلام أصحابه وأمته من بعده أن لا ينقطعوا عن الأعمال الصالحة التي تقوي من عزيمة الإنسان وإيمانه، وترضى بقدر الله وقضائه.
فهذا هو نبي الله يعقوب عليه السلام الذي أصابه ما أصاب من غياب أحب ولده إليه وقرة عينه يوسف عليه السلام، لسنين طويلة ولا يعرف عنه شيئًا، ومن بعده ابنه الآخر عند سفره مع إخوته للتجارة إلى مصر، فقد حزن ولكنه لم يصبه الجزع، بل بقي على عهده مع الله تعالى، واشتد تعلقه بربه، وازداد يقينه بالله وحكمه، وصبر واحتسب، فقال: { إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ } [يوسف: 86] إلى الله وحده، لا إلى ملك ولا إلى صنم، ولا إلى معبود آخر غير الله، ولا إلى مخدرات أو مفترات أو منبهات، فكان ذلك سببًا للفرج العظيم والفرح الذي لا يوصف، عندما جاءه البشير بقميص يوسف عليه السلام؛ فكان ذلك خروجًا وعافية من كربته ومعاناته النفسية في فراقه ليوسف وأخيه، ورجع إليه بصره عليه السلام.
3- القلق:
(1/4)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
عرفه بعض علماء النفس: بأنه الشعور بالتخوف من احتمال وقوع شيء غامض مكروه (1)، وهو كربة نفسية والمصاب بها لا يشعر بالأمان والاستقرار في نفسه ولا من حوله بل يلازمه الاضطراب والتوتر معظم أوقاته، وهذه الكربة عادة ما تنشأ من الوساوس التي يمليها الشيطان في النفس نتيجة رؤية مشهد غير مألوف أو حادث مرعب أو الاختلاط مع أناس تمردوا عن الأخلاقيات العامة كرفاق السوء من المقامرين والمدمنين للخمور والمخدرات وغيرها، أو تخوف من مستقبل مجهول، فينشأ لدى الإنسان نوعٌ من التناقض الداخلي ليتحول بعده إلى صراع في النفس بين ما كان عليه وبين ما يوسوس له الشيطان الذي آل على نفسه غواية الناس وإضلالهم وإدخالهم في شكوك ومزاحمات فكرية ونفسية، يقول الله تعالى على لسانه: { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } [ص: 82، 83].
فإذا علم الإنسان تحقيقة الكربة وسببها، تمكن من علاجها والتخلص منها وقد بين الله تعالى أن من شأن الشيطان أن ينزغ في الإنسان ويوسوس له في أموره كلها، لاسيما الصالحة منها، ولكن الله تعالى وصف العلاج وبين الدواء لعباده لتجنب كربة القلق أو الخروج منه عندما يصاب به الإنسان، وكان هذا العلاج طاعته سبحانه وتعالى والقيام بالأعمال التي ترضيه عز وجل، والاستكثار من ذكره سبحانه وتعالى في السر والعلن، لقوله تعالى: { أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد: 28].
__________
(1) «دع القلق واستعن بالله» ص (22، 23).
(1/5)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
وفي الامتثال بما أوجبه الله تعالى على الناس مخرج واسع من كربة القلق وآثاره، والتفكر العميق في مخلوقات الله وخلق السموات والأرض، والليل والنهار وفي كل آيات الله تعالى الموجودة في هذا الكون الواسع، فهذا التفكر من أسباب إزاحة هم كربة القلق عن الإنسان، ألم يكن خليل الله إبراهيم عليه السلام قبل النبوة يشتكي من حاله وحال من حوله ممن يعبدون الأصنام؟ فما كان منه إلا أن توجه بالتفكير والتأمل في ملكوت الله تعالى، فأشار إلى الكوكب ثم القمر، ثم الشمس لعلها تكون آلهة فلما رآها تأفل، تبرأ من فعل قومه، وأعلن عبوديته لله الأحد الذي يدير الكواكب والقمار والشموس والكون كله، فأزاح الله تعالى عنه غمته، ومنحه اليقين بدلاً من الشك والريبة، ثم كانت النبوة والرسالة يقول الله تعالى في ذلك: { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [الأنعام: 75-79].
(1/6)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
وكانت وصية المصطفى عليه الصلاة والسلام للمؤمن: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»(1). حتى لا تقع في ظلمة الشك والقلق والاضطراب ويسير في نور اليقين والهداية.
4- الخوف:
عرفه بعض علماء النفس: بأنه قلق نفسي أو عصاب نفسي لا يخضع للعقل ويساور المرء بصورة جامحة من حيث كونه رهبة في النفس شاذة عن المألوف تصعب السيطرة عليها والتحكم بها(2).
والخوف نوعان: إيجابي، وسلبي:
فأما الأول: الخوف من الله تعالى وعقابه وعذابه، وهو ضروري للإنسان ومطلوب منه لأنه يحقق العبودية لله تعالى، ويستقيم سلوك الإنسان به ويستقر المجتمع والأفراد، بل جعل الله من اتصف بهذا النوع من المؤمنين الصادقين، قال جل ذكره: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا } [الأنفال: 2]، ومن هنا يجب على المسلم أن يجعل الخوف من الله تعالى جناحًا يطير به إلى الله تعالى في مسيرته في هذه الحياة والجناح الآخر رجاء حصول المطلوب في الدنيا والآخرة.
والنوع الآخر: سلبي وهو الخوف من غير الله أو الخوف المانع من فعل الطاعات أو الخوف الجالب لفعل المعاصي، كالخوف من السحرة والدجالين.
وهناك نوع ثالث: وهو الخوف الجبلي أو الطبعي الذي لا يترتب عليه فعل معصية أو ترك طاعة، كالخوف من الظلام لمن لم يتعود عليه، وهذا الخوف يكون إيجابيًا إذا منع من معصية أو حث على فعل طاعة ويكون سلبيًا إذا كان على العكس من ذلك.
***
__________
(1) «جامع الترمذي»، رقم (2518)، ص (572)، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، و «النسائي» رقم (5714)، ص (772). ذكره البخاري معلقًا في كتاب البيوع، باب تفسير المشتبهات ص (329).
(2) «موسوعة علم النفس» د. أسعد رزق.
(1/7)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
ويعد الخوف في صورته السلبية كربة نفسية وبلاء من الله تعالى لقوله عز وجل: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [البقرة: 155، 156].
ولهذا النوع من الخوف صور متعددة، كالخوف من الموت أو الخوف من الناس، أو الخوف من المرض، أو الخوف من الفقر، أو الخوف من المستقبل،وغيرها من الأسباب والمؤثرات التي تولد الخوف لدى الإنسان.
وللخروج من كربة الخوف وظلامه، يجب التوجه الصادق إلى الله، واليقين الكامل بأن الله تعالى فوق كل قوة، وفوق كل جبار، وأنه تعالى لا ينازعه على ملكه أحد، ولا يتحرك شيء في هذا الكون إلا بأمره وحكمه، فإذا وصل الإنسان إلى هذه القناعة وهذا الإيمان، فإنه سيتحرر من ربقة كربة الخوف وسطوته، وينطلق إلى عالم الشجاعة والمواجهة، فيعمل ويجتهد ويطور ويخترع، لأنه يستند في حياته إلى العزيز الجبار، يقول الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } [فصلت: 30].
وخير ما يقال في مواضع الخوف وعند نزوله هو: { حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } ، فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: { حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد - صلى الله عليه وسلم - حين قالوا: { إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } (1).
__________
(1) «صحيح البخاري»، رقم (4563)، ص (777).
(1/8)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
فهذا هو رسول الأمة وقدوتها يهاجر في سبيل الله برفقة الصديق رضي الله عنه، ويختبئان في غار ثور، وتلاحقهم قريش وقد أعدوا لمن يأتي بالرسول الأمول والجاه، إلى أن يقفوا على باب الغار، فيقول الصديق: يا رسول الله، والله لو أن أحدهم نظر إلى قدمه لرآنا، فيطمئنه الرسول عليه الصلاة والسلام ويرده إلى حقيقة الأمر ويقول: «يا أبا بكر، ما بالك باثنين الله ثالثهما؟».
ثم إن هذا الدين قد عالج بعض صور هذه الكربة من البداية حتى لا يقع فيها الإنسان من خلال الشيطان الرجيم، فالخوف من الموت مثلاً قد بين الله تعالى حقيقة الموت التي لا مفر منها وقطع الأمل في تحاشيها، ولكنه عز وجل أخفى توقيتها عن الناس، وأن الإنسان مهما حاول الفرار منه فإنه لا يخرج من سلطان الله وملكه، وأنه آيب إليه، يقول عز وجل: { قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ } [الجمعة: 8].
وأما الخوف من الناس فإن رب العزة قد أشار إلى أن الخوف الحقيقي يجب أن يكون من الله لا من غيره يقول تعالى: { فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ } [المائدة: 44].
وكذا أنكر الإسلام الخوف من الفقر لأن الخالق والرازق هو الله، ورزق العباد ليس بيد العباد وإنما بيد خالق العباد، قال جل ثناؤه: { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ } [الإسراء: 31]، وقال أيضًا: { وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } [الذاريات: 22].
فتقرر بهذا أن العمل الصالح يورث قوة التعلق بالله سبحانه وهذه القوة تزيل الخوف من تلك الأمور المورثة للأمراض النفسية والكربات والقلق ولخوف المذموم.
5- اليأس:
(1/9)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
هو تصور في النفس بفقدان الأمل في التخلص مما تعانيه من ظروف وأحوال، وهو عكس التفاؤل واليأس يعد مرضًا وكربة تؤثر في النفس بشكل سلبي دائمًا فيجعلها تتراجع إلى الوراء، وتسير خلف الركب، وهو عدو الفكر والتحرر والانطلاق، وعدو التطور والتقدم والابتكار، وهذا هو مبتغى الشيطان وقمة فرحه وسروره، ثم إنه يحقق أهداف أعداء الله الذين يحاولون بكل ما أوتوا من قوة وإعلام وغيرها أن يدخلوا إلى نفوس أبناء الأمة هذه الروح التي تجعل الأمة تابعًا لها في كل أمورها، فتتهول قوة هذا العدو في نفوسهم وتعظم عقله وصناعته وتقدمه، إلى أن يقولوا: لا نستطيع أن نبلغ ما بلغو إليه، فلتكن هذه حالنا وتلك حالهم، وهذه كربة عظيمة ومرض خطير يرزح تحت وطأتها جمع كبير من المسلمين.
والسبيل الوحيد الذي يخرج المصاب بداء اليأس أن يلجأ إلى الله تعالى بخالص الدعوات، وأحسن الأعمال، ليفرج عنه ما يعانيه، فإن الأمل في رحمة الله وفضله واجب، مهما بلغ الإنسان من الذنوب والخطايا، ولا سبيل للنجاة من ذلك إلا هذا السبيل، يقول الله تعالى { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزمر: 53].
وجاء في الحديث القدسي الصحيح: «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعًا وإن تقرب إلي ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة»(1).
__________
(1) «صحيح البخاري»، رقم (7405)، ص (1273، 1274)، و «صحيح مسلم» رقم (2675)، ص (1166).
(1/10)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
ولخطورة كربة اليأس وأثره السيئ على النفس والمجتمع، جاء الدين الإسلامي بالتخلص منه ونبذه ومحاربته، وعد الذين يقطعون الأمل بالله تعالى، ويقنطون من رحمته كفارًا خارجين عن الملة، قال الله تعالى: { يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } [يوسف: 87]، وقوله: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [العنكبوت: 23].
ثانيًا: الكربات الحسية: وهي كثيرة، ومنها:
1- السجن:
السجن موجود منذ القدم وهو مخصص في الأصل للمخالفين والخارجين على قانون الحاكم والدولة من أصحاب الجنايات، ولكنه يضم بين جنباته بعض المظلومين، ولا سيما في البقاع التي يستعبد فيها الحاكم رعيته، ويطغى عليهم ويظلمهم، ويدعوهم إلى عبادة غير الله، وكان الجب أو البئر يستخدم أحيانًا نوعًا من أنواع السجون، وأيًا كان سبب هذا السجن فإنه كربة تصيب الإنسان في جسده ونفسه وأهله وذويه، وقد ابتلى الله نبيه يوسف عليه السلام بهذه الكربة بنوعيها، كربة الجب حينما وضعه إخوته فيه ليخلو لهم أبوهم، وكربة السجن حينما رفض دعوة امرأة العزيز.
وليس أمام الإنسان الذي يبتلى بهذه الكربة إلا اللجوء إلى الله في الليل والنهار، وأن لا يقطع أمله بربه وخالقه، وأن يقدم بين يديه سبحانه وتعالى أعمالاً صالحة ودعوات خالصة يبث عبرها عبوديته لله وافتقاره له، وأنه لا ملجأ ولا منجى من الله إله إليه فربما يكون ذلك قريابًا يفرج الله به كربته ويخرجه من سجنه ويجعل له بعد ذلك يسرًا وخيرًا.
(1/11)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
وذلك ما فعله يوسف عليه السلام، حيث كان في ظلمة الجب وكذلك في السجن، لم ينقطع عن ربه الذي هو أرحم من الأم بولدها، ولم يفارقه التضرع والتوسل إلى الله وبث شكواه في ظلمات السجن القاسية وقال بكل إيمان ويقين: { رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ } [يوسف: 33]، فرغم مكوثه في السجن بضع سنين إلا أن الله تعالى منحه ثمرة ذلك العمل الصالح والدعاء الصادق ألم يقل لامرأة العزيز: { مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } ؟ [يوسف: 23]، فنال ثمرة ذلك أن جعله الله على خزائن مصر، وجاء إليه بإخوته وأبويه وكان فرجًا كبيرًا من الله على صدق نيته وعمله، حيث استشعر فرحة هذا الفرج لاسيما لقاؤه بأبيه يعقوب عليه السلام وأمه، يقول الله تعالى: { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } [يوسف: 100].
(1/12)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
وكذلك كربة نبي الله يونس عليه السلام في بطن الحوت لم تكن تنفرج عنه لولا أنه ذكر ربه بما يليق بجلاله سبحانه، واعترف بذنبه وضعفه لله تعالى، لما أفرج عنه إلى يوم القيامة، وقد ذكر الله تعالى قصة يونس في أكثر من سورة من القرآن لأخذ العبرة منها في الشدائد والكربات، وأن القلب الخاشع واللسان الذاكر والجوارح القائمة في طاعة الله كفيلة بإخراج صاحبها من الكربات التي تصيبه في الحياة الدنيا، قال جل ذكره: { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ } [الأنبياء: 87، 88].
ثم يقول جل وعلا في آيات أخر: { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [الصافات: 143، 144].
ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له» (1).
والشواهد على أن العمل الصالح والدعاء الخالص لله تعالى تفرج عن الإنسان كربة السجن كثيرة ورجالها أنبياء ورسل ودعاة وصالحون، فهذا هو الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يعاني هذه الكربة لإصراره على كلمة الحق والثبات عليها أو الموت دونها، فكانت ثمرة موقفه هذا أن أخرجه الله من محنته وكربته عزيز النفس، ينهل من علمه الصافي علماء الأمة، وتكسب من بعده الأمة العقيدة السليمة والسنة النبوية الصحيحة، وأصبح إمام أهل السنة والجماعة في عصره وينسب إليه مذهب الحنابلة في الفروع.
__________
(1) «جامع الترمذي»، رقم (3505)، ص (799).
(1/13)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية جنى ثمرة صبره في السجن بيقينه في صدق دعوته وإخلاصه لله تعالى، أن صار نبراسًا للأمة ينهل من معين علمه أبناؤها في الشرق والغرب، وكانت قولته المشهورة وهو يعاني كربة السجن: «ما يصنع أعدائي بي؟ أنا سجني خلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة».
وهنا نشير إلى أمر مهم يستفاد مما سبق، وهو أن المسلم يمكن أن يحول هذه الكربة إلى أمر إيجابي كما حوله أنبياء الله ورسله والمصلحون من بعدهم، ذلك أن للسجن عبادة تختلف عن عبادة غيره، ففي السجن يظهر أثر الأعمال القلبية كالتوكل والصبر والإنابة والخشية واللجوء إلى الله، ثم ما انبثق منها مثل قراءة القرآن والذكر المستمر والتأمل في النفس وفي أعمالها، والمحاسبة على ما سبق والتخطيط للمستقبل، ونحو ذلك ويحذر تمام الحذر من الانشغال بالأشياء السلبية التي تضيع على الإنسان وقته ولا تخرجه من كربته مثل الويل والثبور وترديد (لو لم أفعل)، (لو فعلت)، فـ (لو) تفتح عمل الشيطان، وكثرة التشكي والتحسر ونحو ذلك.
2- الديون:
وهي كربة تعتري بعض الناس في حياتهم لظروف معينة يمرون بها، وتشتد هذه الكربة ويزداد تأثيرها عندما يعجز المدين عن سداد دينه، فهو كما قيل: «هم في الليل وذل في النهار» وإن تراكم الأموال على الإنسان وكثرة المطالبة بها من قبل الدائنين يحرج المدين ويدخله في دوامة القلق والاضطراب، فلا يستطيع الخروج إلى الناس ومخالطتهم، وقد تؤدي هذه الحال به إلى أن يترك بلده وأهله وأحبته هروبًا من حقوق الناس عليه أو سعيًا للعمل في مكان آخر ربما يخفف عنه هذا الهم وهذه الأمانة، والدين من الأعباء والكربات التي لا تنفك عن الإنسان حتى بعد الموت، فإن هو نجا بنفسه منها في الدنيا فإنه لن تزول كربته في الآخرة لأنه حق العباد لذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يصلي على من عليه الدين إلا أن يعفو عنه الدائن ويسامحه لعظم شأنه وحقه.
(1/14)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه فضلاً فإن حدث أنه ترك لدينه وفاء صلى وإلا قال للمسلمين: «صلوا على صاحبكم»، فلما فتح الله عليه الفتوح قال: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين فترك دينًا فعلي قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته»(1).
ويقول عليه الصلاة والسلام: «يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين»(2).
ومن أجل ذلك كان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله منه في دعائه ويقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال»(3).
وطريق الخلاص من هذا الكرب في الدنيا والنجاة منه يوم القيامة أن يخلص الإنسان في طاعته وعبادته لله تعالى، ويبادر إلى الأعمال الصالحة والاستغفار والأذكار بشكل دائم، ويتقي الله تعالى في أموره كلها، فهذا هو السبيل الأعظم لإزاحة هذا الهم عن كاهله وإبداله بالفرج واليسر والسداد يقول الله تعالى: { ... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } [الطلاق: 2، 3]، وقال الله تعالى عن نوح عليه السلام في مخاطبته لقومه: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا } [نوح: 10-13].
__________
(1) «صحيح البخاري»، رقم (5371)، ص (959)، و «صحيح مسلم»، رقم (1619)، ص (707).
(2) «صحيح مسلم»، رقم (1886)، ص (845).
(3) «صحيح البخاري»، رقم (6369)، ص (1106)، و «صحيح مسلم»، رقم (2706)، ص (1176).
(1/15)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
وعن علي رضي الله عنه أن مكاتبًا جاءه فقال: إني قد عجزت عن كتابتي فأعني، قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو كان عليك مثل جبل صير دينًا أداه الله عنك، قال: «قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك»(1).
ولا يعني هذا ترك الأسباب، بل عملها ضروري وتركها عجز وتخاذل ولكن للتأكيد على أثر العمل الصالح في حل هذه الكربة.
3- الظلم:
الظلم ظلمات يوم القيامة كما جاء في الحديث وهو كربة وبلاء، ظهر منذ أن خلق الله الإنسان، نتيجة لآفات النفس، ورغباتها وأهوائها، من الحسد والغرور والكبرياء، وكذلك الطمع والجشع وحب الذات وكراهية الغير، وغيرها من الأسباب، والمؤمن إذا أصابه شيء من كربة الظلم، بأي شكل من أشكالها من اعتداء أو تعذيب أو أخذ حق وغيره، يجب أن يسارع إلى الله تعالى، الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرمًا، ليرفع عنه هذه الكربة ويبدلها فرجًا وسرورًا، وعزة وانتصارًا، بشرط أن يعاون هذا التضرع إلى الله الاجتهاد في العبادة والإخلاص في الأعمال، وتصفية النية، وترك المعاصي، لقوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [الرعد: 11]، فعندها يقبل الله تعالى دعوته ولا يرده خائبًا، بل سيعجل له بالفرج القريب والظفر الأكيد على عدوه وظالميه، يقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه: «ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده»(2).
__________
(1) «جامع الترمذي»، رقم (3563)، ص (812)، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
(2) «سنن الترمذي»، رقم (1905)، ص (445)، ورواه ابن ماجه (3862)، ص (552).
(1/16)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - عندما بعث معاذًا إلى اليمن فقال: «اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب»(1).
وإن طال الفرج أو تأخر قليلاً فلحكمة من عند الله تعالى لا يعلمها إلا هو، ربما يكون فيه خير للإنسان وذخر له يوم القيامة، وربما يجعل الله تعالى سعادة هذا الإنسان المبتلى بالظلم في تلك اللحظات التي يظلم فيها ويضطهد، لأنه سبحانه وتعالى يلقي عليه رداء السكينة والراحة النفسية، ويزيد من إيمانه ويقينه لأمر الله، لذلك كان بعض السلف الصالح يقولون: لو علمت الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه –يعني من الراحة النفسية- لجالدونا عليه بالسيوف.
فعلى المظلوم المكروب أن يعود إلى ربه ويعمل صالحًا وسينتقم الله تعالى من الظالم ولو بعد حين، لأن عقوبات الظلم معجلة في الدنيا قبل الآخرة، والشواهد التاريخية والواقعية أكثر من أن تحصر، فهؤلاء رسل الله وأنبياؤه وقع عليهم ظلم من أقوامهم فانتصر الله لهم: { فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [العنكبوت: 40]، ووقع على كثير من سلف الأمة ما وقع كالإمام مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم كثير رحمهم لله، فكانوا أئمة يقتدى بأقوالهم، والذي يجب الحذر منه ألا يرد الظلم بظلم.
4- الزلازل والأعاصير والكوارث الأخرى:
__________
(1) «صحيح البخاري»، رقم (2448)، ص (395)، و«صحيح مسلم»، رقم (19)، ص (31).
(1/17)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
وهي إما عقوبة وعذاب للعباد على تماديهم في العصيان وانتهاك حرمات الله، من الظلم والسفور والخمور والزنا، وغيرها من المعاصي، أو ابتلاء لا يعلم مغزاها وعلتها إلا مدبرها وخالقها عز وجل وهي في الحالتين آيات وعبر ودروس وعظات للآخرين، والنصوص القرآنية والأحاديث النبوية تشير في معظمها أنها كانت للأمم السابقة نتيجة كفرهم وشركهم وظلمهم، وحربهم لأنبياء الله وقتلهم لهم يقول الله تعالى: { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [هود: 102].
وقوله تعالى: { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } [النحل: 112].
وإن صلاح الأعمال وإخلاص النيات لله تعالى من أهم ما يدفع عن الناس كربات العقوبات الإلهية الدنيوية من الزلازل والحرائق والأعاصير وغيرها يقول الله تعالى عن قوم يونس الذين نفعهم إيمانهم الذي دفع عنهم عذاب الله تعالى في الحياة الدنيا: { فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } [يونس: 98].
ويقول أيضًا: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } [هود: 117].
هذا إضافة إلى الاستكثار من الذكر والاستغفار والتوبة في كل وقت، ليكون الإنسان في مأمن من هذا الذي أصاب تلك الأمم بسبب غفلتهم وحيادهم عن منهج الله تعالى، يقول الباري عز وجل: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الأنفال: 33].
5- الخسائر التجارية:
(1/18)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
وما هي إلا جزاء غبن أو غش أو حيلة أو خداع فرب ربح تجاري أو كسب مادي يغشي صاحبه وينسيه وسيلة ربحه وكسبه، ولا يدري أنه استدراج من حيث لا يعلم، فيأخذه الغرور ويغفل عن محارم الله وأوامره فيزداد تحايلاً ومراوغة في عمله، إلى أن يأتي أمر الله وتجيء الخسارة الكبرى في إحدى ساعات الغفلة، فينسفها الله نسفًا، كأن لم تكن، فتكون ضربة قاصمة في بنيان ما اكتسبته يداه من غير حق ولا تقوى فيدخل هذا التاجر في كربة عظيمة ربما تؤدي به إلى الموت كما يحدث لكثير من الناس، إذا تعرضت مصالحهم لخسائر يصابون بسكتات قلبية فور سماع الخبر، فما أعظم هذه الكربة على الإنسان الذي جعل ماله في قلبه ولم يجعله في يديه، وهو في الوقت نفسه بلاء من الله تعالى كما أخبرنا في كتابه العزيز: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ ... } [البقرة: 155].
(1/19)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
والدليل على معظم هذه الخسائر تكون نتيجة البعد عن الله في التعامل والكسب، هو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما ذهب إلى السوق ونادى في التجار: «إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارًا إلا من اتقى الله وبر وصدق»(1). والاستثناء دائمًا يكون للقلة من الكثرة، والحديث يبين أن تقوى الله ومراقبته في التعامل هو الذي ينجي التاجر من عذاب الله وعقابه، ويبارك في كسبه وماله، وذلك بتحليل المال في مشروعية وسائل كسبه وتصفيته من الشبهات والآثام لاسيما في هذا العصر الذي انتشر فيه الربا انتشار النار في الهشيم، وكذا الزكاة والإنفاق في وجوه الخير، يقول الله تبارك وتعالى: { يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ } [البقرة: 276]، هذه الآية كافية للانتهاء عن محارم الله والتزام حدوده في المعاملات التجارية والمالية، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه» (2)، ويقول أيضًا: «ما نقص مال عبد من صدقة» (3).
فلينتبه المسلم ويقم تعامله المالي على المشروع في موارده ومصارفه وتعامله وإخراج زكاته، وهنا ينمو ويزداد ويسلم من شره وعواقبه، ويكون نافعًا له في الدنيا بمزيد البركة وبالاستغناء عن الناس وبالطمأنينة القلبية، ويكون نافعًا في الآخرة برفعة الدرجات والحجاب عن النار وتكفير السيئات ودخول الجنان.
6- المرض:
__________
(1) «سنن ابن ماجه»، رقم (2146)، ص (308)، ورواه الترمذي (1210)، ص (295). وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(2) «مسند أحمد»، رقم (22802)، ص (1659)، ورواه ابن ماجه (90، 4022)، ص (15، 580).
(3) «جامع الترمذي»، رقم (2325)، ص (532)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(1/20)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
هو كربة تصيب الإنسان في جسده فيعاني آلامًا وأوجاعًا، ويحرم الطعام اللذيذ والشراب الهانئ، ويحرم كثيرًا من متاع الدنيا المباح، وهذه الكربة تجري على الناس كافة، صغار وكبار، رجال ونساء، شباب وشيوخ، إلا أن العاقل والمؤمن بالله هو الذي يتعامل مع هذه الكربة التعامل الشرعي من الصبر على هذه الكربة ويلجأ إلى ربه بالعمل الصالح الدءوب، والدعاء اللحوح، ليكشف عنه ضره وكربته، ولا ييأس من فضل الله ورحمته، وليكن قدوته في ذلك وأسوته نبي الله أيوب عليه السلام الذي أصيب بكربة المرض، بعد أن كان صحيحًا قويًا فأذهبت عنه هذه الكربة عافيته، وقوته وطالت مدتها، وازداد فعلها وأثرها في جسده، حتى تركه أهله وأقرباؤه فنادى ربه بدعاء صادق يقول الله تعالى عنه: { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ } [الأنبياء: 83، 84].
وكان نبي الله أيوب عليه السلام قبل مرضه من المنفقين في سبيل الله بكافة أوجهه، فقد كان من الأغنياء الكبار في عصره، فابتلاه الله تعالى بأخذ ماله وأملاكه فصبر وشكر، إلى أن ابتلاه بكربة المرض الذي عافاه الله تعالى منه بعد أن هجره الناس وتركوه وحيدًا فلم يكن له سوى اللجوء إلى ربه وخالقه فكشف الله عنه كربته وأعاد إليه عافيته وأمواله وأملاكه، بل قيل أنه صار أغنى مما كان من قبل.
وقد روى أبو بردة عن أبي موسى قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - غير مرة ولا مرتين يقول: «إذاكان العبد يعمل عملاً صالحًا فشغله عنه مرض أو سفر كتب له كصالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم»(1).
__________
(1) «سنن أبي دواد»، رقم (3091)،ص (453)، وهو في «صحيح البخاري» برقم (2996)، ص (495)
(1/21)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
ولا يستهين الإنسان المريض أو أهله بالإنفاق في سبيل الله والاستكثار من الصدقات فإنها تدفع عن الإنسان البلاء، وتشفي الأسقام، وترضي الله تعالى (1).
***
كانت تلك بعض الكربات التي تصيب الإنسان في نفسه وبدنه وماله وغير ذلك، وفي بعض مراحل حياته، ابتلاء أو عقوبة، وكانت الوسيلة المشتركة لتفريج تلك الكربات هي تقديم بعض الأعمال الصالحة والدعوات الصادقة بين يدي الله عز وجل فهو القاهر فوق عبادة وهو الغفور الرحيم.
***
ثم إن المؤمن مطالب بقدر ما لديه من وسائل وإمكانات، أن يفرج عن أخيه المؤمن من كربته، سواء النفسية أو الحسية، لأن المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، ولأن هذا العمل سوف يوضع في رصيده عند الله تعالى، ليفرج ربه سبحانه عنه كربة في يوم لا ناصر له ولا معين، يقول الرسول الأمين عليه الصلاة والسلام: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاحته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة»(2).
__________
(1) ينظر للتعامل مع المرض التعامل الشرعي ما كتبته في كتابي «دروس في الحقوق الواجبة على المسلم».
(2) «صحيح البخاري»، رقم (2442)، ص (394)، و «صحيح مسلم»، رقم (2580)، ص (1129).
(1/22)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
وفي هذا المقام يستحب التذكير بحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام الحافل بأمور عظيمة قد يغفل عنها كثير من الناس، يقول: «أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرًا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظًا، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل» (1).
***
ونحن نختم هذا الاستعراض عن بعض أنواع المصائب أذكر بعدة أمور:
1- أن هذه المصائب هي من السنن الجارية في هذه الحياة التي يقدرها الله تعالى على عباده فيبتليهم بها، مما يستوجب التعامل معها التعامل الشرعي بمعرفة هذه الحقيقة ثم بالصبر عليها احتسابًا وطلبًا للأجر والثواب وأعلى منه الرضا بما قضاه الله وقدره، ثم الأعلى وهو شكر الله عليها وهذه درجة عليا، نسأل الله أن يبلغنا إياها.
2- أنه لا يعني عندما نقول: إن الإيمان سبب للخروج من كل مأزق أن الهموم والغموم والقلق والحزن لا تصيب المؤمن، بل قد تصيبه كما كان ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فحزن عندما توفيت زوجته خديجة رضي الله عنها، وعندما مات ابنه إبراهيم، وفي مواقف أخرى، ولكن المؤمن يصبر ويرضى ويحتسب ولا يجزع أو يسخط أو يعمل أعمالاً يظهر فيها اعتراضه على قدر الله، أو يعطل أعماله ووظائفه، ثم إن هذا الهم والحزن سريعًا ما ينكشف للمؤمن إذا عمل بمقتضى هذه الوصايا العظيمة كما سبق.
__________
(1) نقلاً عن «صحيح الجامع»، للألباني، رقم (174)، وينظر ما كتبته في رسالة: «خير الناس أنفعهم للناس».
(1/23)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
3- أن من الحقائق المهمة معرفة أنه لا بد من بقاء نسبة يسيرة من الهم والحزن عند الإنسان وإلا أصبح جمادًا لا يتحرك فيه عاطفة، وإلا فكيف يحيي شعوره تجاه والديه وأولاده وزوجته ومجتمعه ومجتمعات المسلمين، إذا لم يكن عنده نسبة تحركه، ولكن ينبغي أن تكون هذه النسبة بحدودها الشرعية فلا تتجاوز حدًا يصل به الأمر إلى أن يقعده عن عمله وسلوكه الحسن وينطوي... إلخ، وهذا يفيدنا بأن لا نجزع إذا كانت نسبة الهم معقولة بقدر ما تتحرك بها العاطفة لفعل الخير والإحسان.
4- أن الجامع لحل هذه الكرب وغيرها أن يتعامل معها المسلم التعامل الشرعي وملخصه:
أ- الإيمان بأنها من الله تعالى، فيورثه هذا الإيمان بقضاء الله تعالى وقدره.
ب- الصبر عليها وعدم الضجر والتشكي والتسخط، والأعلى من ذلك الرضى بها ثم شكر الله تعالى عليها.
جـ- الإكثار من الأعمال الصالحة ومنها:
* الأذكار ومن القرآن الكريم قراءة وحفظًا { أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد: 28].
{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا } [الإسراء: 82].
* الصلاة { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } [البقرة: 45] «أرحنا بها يا بلال».
* الإنفاق في وجوه الخير المشروعة المتعددة «فما نقص مال من صدقة» و«الصدقة تطفئ الخطيئة».
* نفع الآخرين كما سبق في جملة أحاديث.
* ومن تنفيس كرباتهم ومساعدتهم والعطف عليهم والقيام بحاجاتهم وغيرها.
* الدعاء والإلحاح على الله فيه: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60]، { وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا } [الأعراف: 56].
* كثرة الاستغفار { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا } [نوح: 10، 11].
(1/24)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
* عدم اقتراف المعاصي ومن أشدها ظلم العباد فعقوبته معجلة.
5- أن الوقاية خير من العلاج فيبني المسلم حياته على منهاج الله تعالى، فإذا ما أصيب بمصيبة وحلت عليه كربة فرج الله عنه «احفظ الله يحفظك»«احفظ الله تجده تجاهك» «تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة».
***
هذه إشارات سريعة في هذا الموضوع الحيوي العملي الهام الذي يحتاج إليه كل مسلم، أسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الكلمات ويجعلها من المدخرات في الحياة وبعد الممات وعند العرض على رب البريات إنه سميع قريب مجيب.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه
فالح بن محمد بن فالح الصغير
الرياض 15/5/1425هـ
البريد الإلكتروني
falehmalsgair@Yahoo.com
***
الفهرس
المقدمة…3
أنواع الكربات…4
أولاً: الكربات النفسية:…4
1- الهم:…4
2- الحزن:…6
3- القلق:…7
4- الخوف:…10
5- اليأس:…13
ثانيًا: الكربات الحسية:…15
1- السجن:…15
2- الديون:…18
3- الظلم:…21
4- الزلازل والأعاصير والكوارث الأخرى:…23
5- الخسائر التجارية:…24
6- المرض:…26
(1/25)
{{ المكتبة الإسلامية ال



100 فكرة لتربية الأسرة

عبداللطيف بن هاجس الغامدي
....................................
المقدمة
الحمد لله الهادي، من عليه اتكالي واعتمادي، وهو ملاذي عند الحادث العمم.
والصلاة والسلام على الرسول الأسوة والنبي القدوة.
وأشهد أن لا إله إلا الله، خلق الهداية، وقدر أسبابها، وخلق الغواية، وحذر طلابها، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، دل على الهداية، وحث عليها، ورغب فيها، وأمر بطرق أبوابها، والبحث عن أسبابها، أما بعد..
فإن من أوجب الواجبات، وأعظم المسؤوليات، وأكبر الأمانات؛ أمانة تربية المسلم لأهل بيته مبتدئا بنفسه، ومثنيا بمن يعول.. أدناه فأدناه.
وهذا من معنى قول الله:{يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاط شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم: 6]. فهو مسؤول عنهم، ومحاسب عليهم، ومعاقب على تفريطه في تربيتهم؛ فالتربية ليست أمرا عارضا أو قضية هامشية أو فكرة عابرة، أو خاطرة سائرة؛ بل هي ضرورة ملحة، ومسألة لازمة،
وقضية تضرب بجذورها في الماضي الفائت، لتعبر الحاضر السائر، وتمتد إلى المستقبل الآتي.
وصلاح الأهل نعمة عظيمة، ومنة- من الله- كريمة، لا يشعر بها، ويعرف فضلها، ويقدر قدرها إلا من حرم منها، وتلوع قلبه بضدها، واكتوى فواده بنقيضها.
وكما أن لكل حرث زارع، ولكل مال جامع؛ فكذا الهداية لها أسباب وطرائق، وموانع وعوائق.
والواجب المتحتم على كل مسلم أن يبحث عن طرق الهداية ويغتنمها، ويتنكب سبل الضلال والغواية ويجتنبها.
وليعلم علم اليقين أن التربية تحتاج إلى جهد جهيد لا يعرف الكسل، وبذل لا يتوافق مع البخل، ومواصلة لا ترضى بالانقطاع، وهمة لا تقنع بالدون، وعزيمة لا تتناسب مع الخمول.
وحسبك من محامدها أن العبد يؤجر عليها ويثاب على ما بذل فيها حتى بعد موته وانتهاء عمره وانقطاع أثره وانبتات أمره.
(1/1)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)) وبها ترفع في قدره، ويضاعف له في أجره، ويعقب بخير في أثره.
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن الرجل لترفع درجته في الجنة، فيقول: أني لي هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك)). ومنها أنها تجمعه بأحبته وقرابته في درجات الجنة، فضلاً من الله ومنة!
قال تعالى:{والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين} [الطور: 21]
وبها ترفع الرؤوس، وترضى النفوس، وتطيب الخواطر.
وبها تحفظ الأموال، وتصان الأجيال، وترتاح الضمائر.
وبها يقع الائتلاف، ويندفع الاختلاف، وتتحد العواطف والمشاعر.
فالهداية هدية من رب البرية، يعطيها من يستحقها، تفضلاً منه ونعمة، فيا نعمت العطية!
وهذه مائة فكرة لتربية الأسرة جمعتها من أرض الواقع تبصرة للمهتدي، وإعانة للمبتدي، وإرغاما للمعتدي، وتذكيرا لمن أضاع أمانته، وفرط في مسؤوليته، فهي بلسم نافع، ودواء ناجع لمن يرجو أن تقر عينه، ويسعد قلبه، وينشرح صدره بصلاح نفسه وأهله- بإذن الله-.
والله المسؤول- وهو خير مأمول- أن يكتب بها النفع ولها القبول، وأن يضاعف بها أجري، ويعلي بها ذكري، ويرفع بها قدري، ويشرح بها صدري، ويمحو بها وزري، وأن يجعلها ذخري يوم أن ألقى بها ربي.. وهو مولاي وحسبي!
وصلى الله وسلم على أكرم رسول وأعظم نبي.
مسلمات في طريق التربية
1- إن التربية عبادة يؤجر عليها العبد، ويثاب على إحسانه فيها.
ولابد فيها من إخلاص النية وتجريدها لله تعالى، فلا يتعب المسلم في التربية ليقال عنه إنه أحسن فيها، أو ليشار إليه بالبنان بأنه قد بذل الغاية في البحث عن سبل الهداية لأهل بيته، أو ليقال: يا له من مرب بارع! وتربوي ناجح!
(1/2)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
قال تعالى:{وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [البينة: ه].
عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إنما الأعمال بالنيات..)).
ولابد من الموافقة والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم،فخير الهدي هديه، وأكمل الطرق طريقته، وأبلغ المسالك سنته.
فالمتابعة له صلى الله عليه وسلم في تربيته لأهل بيته أمر لازم لا خيار فيه ولا مصرف عنه، وثمراته حاصلة، ونتائجه عاجلة، ولا بأس من الاستفادة من أساليب التربية الحديثة بما يوافق ما كان عليه وما جاء به صلى الله عليه وسلم.
عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)).
وفي استقراء سنته صلى الله عليه وسلم ودراستها في كيفية تربيته لأسرته غنية عن غيرها، وكفاية عما سواها، فاقصد البحر، وخل القنوات، وفي تنفس الفجر في الصباح ما يغني عن لفح فتيل المصباح.
2- احتساب الأجر على الله تعالى فيما يبذل في هذه التربية،فهي شاقة لا راحة معها، وطويلة لا انتهاء لها، ومكلفة لا شحاحة فيها.
وليس للعامل من عمله إلا ما احتسب.
فأكرم الهم ما كان على الأهل، وأحب النفقة ما بذلت على القرابة، وأفضل الجهود ما عملت مع ثمرات القلوب.
عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أفضل دينار ينفقه الرجل دينار على عياله..)).
وعن أبي مسعود البدري- رضي الله عنه-، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة؛ وهو يحتسبها، كانت له صدقة)).
فالتربية كل الناس يمارسونها، وليس كل الناس يؤجرون عليها.. فتنبه!
3- إن الهداية- بمعنى خلق الإيمان والتوفيق له والثبات عليه- ليست في يدك، وإنما بيد من يهدي من يشاء بفضله ورحمته، ويضل من يشاء بعدله وحكمته، وإنما عليك هداية الدلالة والارشاد والنصح والتوجيه، فلا تقصر فيها أو تغفل عنها.
(1/3)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
قال تعالى:{إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} [القصص: 56].
وقال تعالى: (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء} [البقرة: 272].
عن أبي ذر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله عز وجل:... يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم)).
ومن بذل النصح لزوجته فما أرعوت أو اهتدت فليس عليه إلا أن يقلب دفتي كتاب ربه،فيقرأ فيه قوله سبحانه{ضرب الله مثلاً للذين كقروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين} [التحريم:10].
فيا لها من سلوى وإن عظمت البلوى!
ومن بذل وسعه وعمل طاقته مع أبنائه فما زادهم إلا إصرارا وإعراضا، فليسمع- في أسى وأسف- إلى صرخة نوح النبي المبتلى الصابر- عليه السلام- في ابنه الكافر الفاجر: ((وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ(42)قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنْ الْمُغْرَقِينَ(43)وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(44)
وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ(45)قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ ))
فأي تسرية عن القلب وتسلية للعقل أعظم من هذه؟!
(1/4)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
ومن جهد جهده وبذل ما عنده لأبيه وأمه، فما رأى بارقة هداية أو علامة استجابة، فلا أقل من أن يقرأ قول إبراهيم الخليل- عليه السلام- إمام التوحيد والهداية لأبيه آزر زعيم الشرك والغواية: (( يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَانِ عَصِيًّا(44)يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَانِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا )) :مريم 44- 45،.
فتسكن النفس المحزونة، ويهدأ الخاطر المكدود!
فهل آن للنفوس أن تأخذ من هذه الدروس؟!
4- أنت عبد فقير مسكين!
لا تملك لنفسك حولاً ولا طولاً، ولا تملكها لغيرك من باب أولى!
فلا تعتمد على نفسك، ولا تركن لقدرتك، ولا تثق بغير ربك، ففوض أمرك إليه، وتوكل عليه، واستعن به.
قال تعالى:{وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} [المائدة: 23].
وقال تعالى:{وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه المصير} [هود: 88]
وأكثر من دعائه ورجائه، واللجوء إليه، والتذلل بين يديه.
ولا تقل بذكائي ومعرفتي، وجهودي ونباهتي.. بل أنت-في كل الأحوال- فقير إليه، لا غنى لك عنه، ولا مهرب لك منه. ووالله لو وكلك الله إلى نفسك طرفة عين لهلكت فإنه إذا يكلك إلى خور وضعف وجهل وبلادة!
عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)).
5- لا يشك عاقل، أو يماري مجادل في أهمية القدوة الصالحة في كل ميدان، فنفسك ميدانك الأول، فإن قدرت عليها فأنت على غيرها أقدر وعلى سواها أمكن، فابدأ بها فأصلحها، يصلح الله لك رعيتك، ومن هم تبع لك، فإنهم يوم يسمعون منك ما يناقض ما صدر عنك، يقع الخلل، ويعظم الزلل، ويصبح الدين عندهم شعارات براقة، وكلمات جوفاء ليس لها في حياتهم أثر، ولا في واقعهم وقع.
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
(1/5)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
قال تعالى: {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب} [هود: 88].
6- اللين كالسكين، يقطع دون وجع، والرفق نعمة عظيمة تؤثر في النفوس الكريمة ما لا تؤثر القسوة والغلظة!
قال الله تعالى ممتنا على نبيه الذي أرسله رحمة للعالمين: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانقضوا من حولك} [آل عمران: 159].
عن عبيد الله بن معمر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم، ولا منعوه إلا ضرهم).
وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله : (ما يكون الرفق في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه).
7- سعة البال، وعدم الاستعجال، وطول النفس في التربية قضايا مهمة، فبيت عشعش المنكر فيه لسنوات عديدة، وصفات تطبعت بها النفوس لأعوام مديدة، يصبح من العسير أن تزول جملة واحدة في يوم وليلة.
فلا بد من التدرج في التغيير، والبدء بالأهم فالمهم، وعدم استعجال النتائج، فطريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة، ومن سار على الدرب وصل، ومن أدام قرع الباب يوشك أن يفتح له!
8- لا تتأخر في التربية أو تؤجلها عن حينها، إلا لمسوغ شرعي ومصلحة متحققة؛ فالنفس تربي من أول يوم تبصر فيه الحقيقة، وتفيق على معالم الطريق.
والزوجة تبدأ تربيتها مع أول خطوة تخطوها في بيتها الجديد. والأبناء من أول يوم يستهلون فيه صارخين من بطون أمهاتهم.. لا تعجب!
فالابن الرضيع الذي تعود على البكاء ليحصل على رغبته، ينطبع هذا في ذهنه ويستقر في نفسه، فلا يحسن بعد ذلك إلا العويل والبكاء!
(1/6)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
9- الحذر من فتنتهم في دينهم، وصدهم عن الحق والثبات عليه بما يجلب لهم من أسباب الضلال والانحراف فيما يقرؤون ويسمعون ويبصرون، فهم من جملة البشر ومن عداد الخلق،يشعرون ويحسون، ويتأثرون ويؤثرون، وأمر التربية يستلزم التخلية ثم التحلية، ويتطلب التطهير والنزع، ثم التأثير والوضع. ولكي تزرع الأرض البور، طهرها من الآفات، وامنع عنها المهلكات، ثم ازرع فيها ما تشاء، وطب نفسا بما تجني يوم الحصاد.
10- لا تسكت عليهم في منكر، ولا ترض لهم بمعصية، ولا تقرهم على خطيئة، فمن مقتضيات محبتهم، ومستلزمات مودتهم؛ حمايتهم من أنفسهم- وهي أول أعدائهم- وحمايتهم من أعدائهم الذين يتربصون بهم، ويكيدون لهم، ويريدون أن يستأصلوا شأفتهم.
وبيتك مملكتك، فكيف ترضى أن يعصي فيه ربك؟!
تأمل ماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة- رضي الله عنها- وهي أحب الناس إليه وأقربهم منه، عندما دخل عليها فوجد في بيتها تصاوير .
فعن عائشة- رضي الله عنها- أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير،فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكراهية. قالت: يا رسول الله! أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت؟ قال: ((ما بال هذه النمرقة؟)). فقالت: اشتريتها لتقعد عليها وتتوسدها، فقال: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم)). وقال: ((إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة)).
11- الجد مطلوب، والاهتمام مرغوب، ولكن كلما زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده، فالتشدد في غير موضعه، والقوة في غير حينها، والحرص المبالغ فيه، كل هذه الأمور لها آثار سلبية في النفوس؛ فهي تولد التمرد والعناد، وتكسب النفرة والبعاد.
ولكل شيء جعل الله قدرا؛ فالواقعية تخرج الإنسان من أزمة الوسوسة، فكل الناس خطاء، ومن أين لنا بمعصوم من الزلل، ومبرأ من الخلل بعد النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم؟!
(1/7)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
12- نحن نحسن اللوم والتقريع، ونجيد التبكيت، والتوبيخ عند حدوث الأخطاء أو الخطايا.. ولكننا لا نحسن الثناء- بالحسنى- على المحسنين!
نتقن الحساب والعقاب، وربما نفشل في الجزاء والثواب! نجيد التعجيز ونسيئ في التحفيز!
حقيقة مؤلمة يشهد الواقع بها إلا عند من عرف لأهل الفضل فضلهم، فأولاهم ما يستحقون، وأعطاهم ما يلهب مشاعرهم، ويزكي عزائمهم، وينمي مواهبهم.
ولعلك عندما لمت متكاسلاً عن عمل أو متثاقلاً عن مهمة،قال لك في مرارة ظاهرة: أحسنت، وعملت، وبذلت فلم أجد من يكرمني! ولم أحصل على ما أستحق على بذلي وعملي.. تساويت مع غيري فلماذا أجهد نفسي؟!!
هل تأملت أين موطن الخلل؟! وأين يكمن الزلل؟!
فنحن مطالبون في بيوتنا- وغيرها- أن نحسن إلى المحسنين ونشكر العاملين، تثبيتا لهم وتحفيزا فهمة غيرهم..
عدلاً معهم.. فإن الله يأمر بالعدل.
وإحسانا لمن له سابقة الفضل..
و {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرحمن: 65].
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله).
13- وثمة خلل آخر في موضوع الجوائز والحوافز ينبغي أن يتداركه من يهتمون بها- على قلتهم! وهو أن جوائزهم- في الغالب- مادية دنيوية، لمتاع زائل وعرض من الدنيا قليل، ولكن أين من يعطيهم هذه الجوائز- ولا بأس بها- مع الأصل الأصيل وهو تذكيرهم بالأجور الأخروية يوم القيامة، ويلفت أنظارهم ويستحث اهتمامهم إلى ما أعد الله من أجور كريمة وحسنات عظيمة لمن أصلح نفسه وقوم عوجه، ولزم الصلاح، وعمل خيرا يسعد به في الدار الآخرة.
مائة فكرة لتربية الأسرة
تنبيه مهم:
هذه مائة فكرة استقيتها من أرض الواقع، وأخذتها ممن جربها وأرسلت بها إليك؛ فخذ منها ما تقدر عليه، وما يغلب على ظنك نفعه، وما يوافق إمكاناتك، وما ينسجم مع ميول أهل بيتك، وما يوافق طابع حياتهم وقدراتهم.
فاستعن بالله، ولا تعجز!
أولاً: علمهم
(1/8)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
قال تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة: 11].
1- عقد درس يومي أو أسبوعي- على الأقل- مع أهل البيت، ويستحب التنويع فيه؛ فمرة في السيرة، وأخرى في الفقه، وثالثة في العقيدة، ورابعة في الآداب والسلوك، وخامسة في المناقب والفضائل.
ومنه يتعلم الأهل الانضباط في الزمان والمكان، ويزيد علمهم، ويزكو عملهم، وتقوى صلتهم ببعضهم، وتزيد ثقتهم بولي أمرهم.
* وقت مقترح: بعد فجر الخميس لأنه يوم إجازة، أو بعد عصر الجمعة.
2- حفظ القرآن الكريم، وذلك بتحديد آية أو جملة آيات، تعطي كواجب صباحي لهم، ويتم تسميع المقطع فيما بينهم في وقت محدد متفق عليه بينهم.
عن بريدة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به ألبس يوم القيامة تاجا من نور، ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويكسى والديه حلتان لا يقوم بهما الدنيا، فيقولان بما كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن).
قال ابن عباس- رضي الله عنهما-: (توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرآت المحكم).
* يمكن استغلال الركوب الجماعي للسيارة للتسميع والمراجعة وتصحيح التلاوة، وسماع الآيات من القراء والمشايخ.
3- حفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينتقى لهم ما يناسبهم، وما تدعو إليه الحاجة.
وطريقته: بأن يكتب الحديث في ورقة صغيرة، وتصور بعدد من له القدرة على الحفظ، وتوزع في الصباح عليهم، ويتم التسميع في وقت محدد منضبط.
* يمكن الاستفادة من كتب الحديث كالصحيحين، والأربعين النووية ورياض الصالحين، وصحيح الكلم الطيب، وصحيح الترغيب والترهيب، وصحيح الجامع.
* يستحب- لربط النشاط ببعضه- تفسير الآيات المحفوظة وشرح الأحاديث في الدرس الأسبوعي.
(1/9)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
4- إنشاء مكتبة مقروءة في البيت تناسب جميع المستويات، وتتوافق مع كل الأذواق المشروعة، لتصبح حديقة غناء، يدخل إليها من يريدها فيجد فيها بغيته؛ ففيها ما يناسب طالب العلم، والرجال والنساء والأطفال، والمتخصص، والمطلع.
5- إعداد مكتبة سمعية: تحتوي على أشرطة متنوعة تناسب جميع الأعمار والمستويات، وتتناول أكثر القضايا والموضوعات، وتتوافق مع الأذواق والرغبات المشروعة، للعلماء والمشايخ والدعاة، ويتم تحريك المكتبة، بعدة طرق منها:
- السماع للأشرطة. - تفريغها على الورق.
- تلخيص ما ورد فيها. - فهرسة موضوعاتها.
* يمكن تجهيز ركن في المكتبة للإهداء والدعوة.
6- القصص: وهي من جند الله تعالى، يحرك الله بها العقول، ويثبت بها القلوب، وتسنبط منها الدروس والعبر، ويمكن استخدامها كوسيلة دعوية من خلال سرد بعض القصص النبوية، وما ورد في كتب التاريخ على الأهل وخصوصا في حال التعب البدني والنفسي.
فما أجمل أن يسمع الشباب في المنزل قصة أصحاب الأخدود!
وما أفضل أن تسمع الزوجات قصة حديث أم زرع!
وما أعظم أن يسمع الكبار بعض قصص الأنبياء والمرسلين- صلى الله عليهم أجمعين!
7- الاشتراك في مجلات دورية ذات طابع ومنهج إسلامي منضبط، سواء كانت أسبوعية أو شهرية أو فصلية أو سنوية، وفي ذلك دعم للمجلة لتستمر في العطاء، والأهم أن يوجد للأهل بديل إسلامي مبارك وسط هذا الزيف الإعلامي الذي ملئت به البيوت.
*يمكن أن تكون قسيمة الاشتراك في المجلة هدية ومكافأة جميلة لواحد من أهل البيت أجاد أو أفاد في عمل أو مناسبة.
8- التسجيل في دور وحلقات تحفيظ القرآن الكريم، سواء للكبار في المساجد أو في دور الحافظات للنساء، وخصوصا التحافيظ التي بها نشاط دعوي مميز.
وهذه الفكرة من أعظم ما ينبغي أن يحرص عليه المسلم في تربيته لأهله؛ فالمرأة ستجد من الصالحات في هذه الدور ما يغنيها عن كثير من مريضات القلوب فارغات العقول.
(1/10)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
*يوجد بكثير من دور التحافيظ روضة للأطفال يتعلمون فيها مبادئ القراءة والكتابة وبعض الآداب الإسلامية المناسبة لأعمارهم.
9- حضور المحاضرات العامة في المساجد والمناشط الدعوية كالدورات العلمية، وفي ذلك من الفائدة ما فيه من الأجور المترتبة عليه، وتكثير سواد الصالحين، والاستفادة مما يطرح من العلماء والدعاة وطلاب العلم.
عن عبدالله بن عمر- رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنوكم)).
*للمحافظة على المعلومات المستقاة من المحاضرة أو الدرس يستحب طرح بعض الأسئلة عنها أو تلخيص ما ورد فيها.
10- طلب الزيارة للبيت من الدعاة وطلاب العلم وطرح القضايا التي يحتاجها البيت بالتلميح والتصريح حسبما يقتضيه الحال.
وخصوصا الداعيات، ومن عرفن ببذل الخير للغير، فيا له من أثر ما أبلغه! فالمرأة تتأثر بما ترى أكثر مما تسمع.
11- السبورة: ويتم ذلك بتعليق سبورة في أحد الجدر البارزة في البيت مما يقع عليه النظر كثيرا، يكتب فيها ما يستفيد منه الأهل كحكمة اليوم، وبعض الآيات والسور، وخصوصا الأذكار، فمع كثرة النظر إليها يعلق شيء منها بالعقل، وبشيء من التركيز عليها تحفظ عن آخرها.
(1/11)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
12- المسابقات الثقافية: وتكون بإعداد جملة من الأسئلة المناسبة لقدرات ومهارات الموجودين، وعليها بعض الجوائز المناسبة، وأفضل أوقاتها الرحلات، والنزهات خارج المنزل لشغل الوقت بما ينفع، ولزرع روح التنافس - في الخير- فيما بينهم، وتوصيل بعض المعلومات إليهم من طرف خفي! عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخبروني بشجرة مثلها مثل المسلم تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ولا تحت ورقها)) ((فوقع في نفسي النخلة، فكرهت أن أتكلم وثم أبو بكر وعمر، فلما لم يتكلما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هي النخلة). فلما خرجت مع أبي، قلت: يا أبتاه وقع نفسي النخلة. قال: ما منعك أن تقولها لو كنت قلتها كان أحب إلى من كذا وكذا.
* ليس المقصود من الأسئلة التعجيز، وإنما الهدف توصيل رسالة معينة عن طريق السؤال والجواب.
13- يسمع الرجال خطب الجمعة والمواعظ والدروس في المساجد وغيرها، فما نصيب أهل البيت منها؟!
إن من أعظم النفع لهم أن يلخص الرجل ما سمع منها في ذهنه أو في ورقة، لينقله إليهم حال رجوعه لهم، فيثبت ما سمع في ذهنه، ويستفيد منه من لم يسمعها.
14- إشراكهم في الشعائر التعبدية التي تحصل في المواسم الشرعية، كالمشاركة في عيد النحر بذبح الأضاحي، وتوزيع زكاة الفطر في رمضان على مستحقيها.
15- ينتقي بعض الكتب المفيدة، ويكلف أهل البيت كلهم أو بعضهم بتلخيص ما فيها من معلومات، وإعداد تقرير موجز عن الكتاب، ولا بأس من تكريمهم بجوائز كحوافز.
16- ربطهم بكبار العلماء وأهل العلم الأمناء، وذلك بإعداد قائمة بأسماء العلماء والمفتين، وأرقام هواتفهم، وأرقام مكاتب الدعوة والإفتاء، وتعليقها في مكان مناسب في البيت، ليتصل الأهل بالعلماء في كل قضية تعن لهم أو تقع عليهم، وليستقوا بدلوهم من مورد العلماء الرقراق بصفاء المعتقد ونقاء المنهج، والمتدفق بصلاح المسلك وصدق الديانة.
(1/12)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
17- الحرص على السكن بجوار المساجد، ليسمع أهل البيت الأذان والخطب والمواعظ والدروس، وليشاركوا في الأنشطة الدعوية والاغاثية التي تقام فيه.
18- استغلال الفسح والنزهات في إثراء معلوماتهم وزيادة تحصيلهم العلمي والمعرفي.
* رأيت في حديقة الحيوان من الزم أبناءه بورقة وقلم يكتبون المعلومات العلمية عن كل حيوان أو طائر يرونه.. ماذا يأكل ويشرب؟ وأين يعيش؟ وأين ورد ذكره في القرآن الكريم أو السنة النبوية؟ وهل هو مأكول اللحم أو أنه محرم والعلة في ذلك؟ وهل هو مستأنس أو أنه وحشي؟
وهم- في حرص شديد!- يتمتعون بما يرون، ويكتبون ما يسمعون، ويتعلمون وهم يلعبون.
فتحسرت على من يضيع وقته في الملاهي والمأكولات دون تزكية للنفس أو إثراء للمعلومات!
19- اقتناء الحاسب الآلي كبديل مناسب لقنوات التخريب، مع وجوب السيطرة عليه، وضبط ما يعرض فيه.
* توجد برامج إسلامية رائعة كبرنامج القرآن الكريم والحديث الشريف وبعض الكتب المستنسخة فيه، وأحسب أننا في زمن نحتاج فيه هذه الثورة العلمية فيما يعود على ديننا ودعوتنا وعلينا بصلاح وخير.
* ويمكن استخدام شبكة الإنترنت في الدعوة إلى الله تعالى، والذود عن حياض الدين ضد انتحال المبطلين وتحريف الغالين، مع وجوب الحذر منها والمراقبة لها.
20- استخدام الفيديو- لمن يدين لله تعالى بجوازه- كوسيلة تعليمية وتربوية وتثقيفية وترفيهية، وعرض البرامج الإسلامية المناسبة الخالية من المخالفات الشريعة.
* ينبغي تحديد وقت المطالعة فيه، ومراعاة الضوابط الطبية لاستخدامه.
21- الألعاب الترفيهية التي تنمي الذكاء وتقوي الذاكرة وتزيد في المعلومات، وتكسب بعض المهارات الفكرية والعقلية كالمكعبات وبعض الألعاب من المحرمات (الصور، القمار، التجسيم المحرم، المعازف، المعتقدات الفاسدة، الصلبان، الجرس، وبعض شعائر الديانات الباطلة..).
(1/13)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
22- الاستماع لإذاعة القرآن الكريم، ومحاولة تمديد شبكة من المكبرات والسماعات دخل المنزل لسماع هذه الإذاعة المباركة، وخصوصا مكان تواجد الأسرة بكثرة مثل المطبخ وغرفة الجلوس.
23- تسجيل الأبناء والبنات في مدارس تحفيظ القرآن الكريم الحكومية أو الأهلية أو المعاهد العلمية الشريعة والكليات الشرعية التخصصية في الجامعات، وتشجيع البارزين منهم في ذلك بمواصلة الدراسة. للمستويات العليا.
24- استغلال وقت ركوب السيارة مع الأسرة لتنفيذ برنامج إلقائي منوع كهيئة الإذاعة، فهذا للتقديم وهذا للتقييم، وآخر يشارك بآية، وغيرها بتفسيرها والتعليق عليها، وآخر بحديث شريف، أو حكمة مفيدة أو قصة معبرة أو موقف مؤثر أو حداء جميل أو طرفة مباحة فهو برنامج متكامل منهم وإليهم.
* يمكن تكريم أفضل مشاركة في البرنامج- ولو بالثناء والإطراء-.
ثانياً: عملهم
قال تعالى:{وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى} [طه:132].
25- الأمر بالعبادة والإلزام بها، والتعويد عليها، مثل الأمر بالصلاة، والسؤال عنها، وتفقد من يقصر فيها، ومحاسبة ومعاقبة من يتهرب منها.
قال تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة} [طه: 132].
عن عبدالله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع).
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت، وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء)).
* يستحب ترغيبهم في النوافل كالوتر والضحى والسنن والرواتب وإعطائهم جوائز وحوافز عليها.
(1/14)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
26- الصيام المشترك من أهل الدار جميعا، ليس في الفريضة فقط، بل حتى في النوافل، كصيام يومي الاثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، وست من شوال، ويوم عاشوراء وتاسوعاء، ويوم عرفة لغير حاج، وصيام داود- عليه السلام-. عن الربيع بنت معوذ- رضي الله عنها- قالت: أرسل رسول
الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار، التي حول المدينة: "من كان أصبح صائما، فليتم صومه. ومن كان أصبح مفطرا، فليتم بقية يومه. فكنا، بعد ذلك نصومه، ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله، ونذهب إلى المسجد. فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار". في رواية: "ونصنع لهم اللعبة من العهن، فنذهب بها معنا، فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم، حتى يتموا صومهم ".
* يمكن تكريمهم على هذا الصيام بجلب الطعام الذي يحبونه على مائدة الإفطار أو الخروج بهم في نزهة.
27- تفطير الصائمين في البيت والمسجد والحارات الشعبية للأسر الفقيرة، ويتم ذلك بمشاركة جميع الأهل، فالنساء للإعداد والطبخ، والرجال للتوزيع والتقديم.
28- السفر التعبدي للمسجد الحرام بمكة، والمسجد النبوي بالمدينة، والمسجد الأقصى بالشام، قريبا- إن شاء الله- والمكث بجوارها لعدة أبام، وخصوصا في شهر رمضان المبارك.
* يستحب تذكيرهم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومواقفه الشريفة، ومآثر صحابته الكرام وبذلهم وتضحياتهم من أجل دينهم في كل موقف وعند آية مناسبة، واستغلال البقاع للتذكير بالوقائع من غير تكلف أو إحداث.
29- بث روح التنافس بين الأبناء الذكور على المسابقة إلى المسجد والحرص على الصف الأول، وإعداد جدول لهم بذلك، لتكريم المثابر الفائز، ومحاسبة المقصر العاجز.
* يمكن التنسيق مع إمام المسجد للثناء على الفائز وتكريمه والدعاء له.
(1/15)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
30- خروج الأهل للعبادات التي يشرع للجميع الخروج إليها كصلاة العيدين والاستسقاء، حتى وإن كانت النساء قد أصبن بالأعذار الشرعية كالحيض والنفاس ليدركن الخير مع الناس.
عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم- يأمر بناته ونسائه أن يخرجن في العيدين)).
31- تدريبهم على الصدقة والبذل في سبيل الله تعالى وإعطاء الفقراء والمساكين من مال الله الذي آتاهم.
فعندما يرى الوالد مسكينا أو فقيرا، فإنه يعطي أحدا من أهل البيت مبلغا من المال، ويأمره أن يعطيه للفقير، ويحتسب الأجر وهكذا يربي فيهم حب البذل والعطاء والإنفاق في سبيل الله تعالى.
* الذكور مع الذكور، والإناث مع الإناث.
32- تجهيز صندوق خيري جميل المنظر لجمع المال للمشاركة في أفعال الخير، ويأمرهم بوضع المال فيه، ويوضع في مكان بارز ومناسب في البيت.
ويحتوي هذا الصندوق على عدة خانات، فمنها جزء للمشاركة في بناء المساجد، وآخر للدعوة إلى الله تعالى، وآخر لطباعة الكتب، وآخر لكفالة الأيتام ورعايتهم، وآخر لمجالات خيرية ودعوية مختلفة.
* يمكن للضيوف المشاركة والمساهمة فيه.
* يفتح الصندوق- بعد حين- بمحضر الجميع، ويشاركون جميعا في عد المال، وتوزيعه، ليتولد فيهم حب العمل الجماعي.
33- القيام بعمرة جماعية مع الأهل، وتعليمهم شعائر ومشاعر هذا النسك المبارك.
كانت أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- إذا مرت بالحجون، تقول: "صلى الله علي رسوله وسلم، لقد نزلنا هاهنا ونحن يومئذ خفاف الحقائب، قليل ظهرنا، قليلة أزوادنا، فاعتمرت أنا وأختي عائشة والزبير وفلان وفلان.. )).
34- الحج مع حملة مناسبة أو مع مجموعة مباركة تتميز بحسن الاستقامة، وجدية الالتزام ، مع أهمية التركيز على النشاط الدعوي في هذه الرحلة المباركة.
(1/16)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
عن ابن عباس- رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبا بالروحاء، فقال: (من القوم) قالوا: المسلمون. فقالوا: من أنت؟ قال: (رسول الله! فرفعت إليه امرأة صبيا، فقالت: ألهذا حج؟ قال: (نعم، ولك أجر).
35- متابعتهم على الأذكار اليومية (الذكر المطلق- والذكر المقيد بزمان أو مكان أو عدد أو صفة) كأذكار الصباح والمساء وأدبار الصلوات والأحوال والمناسبات، وإشعارهم بأهميتها، وما يترتب عليها من حفظ وصيانة في الحياة الدنيا، وأجور عظيمة وحسنات كريمة في الدار الآخرة.
ويكون ذلك بالسؤال عنها، والتذكير بها، ولإيقاعها أمامهم، وبالمدح لمن فعلها، والثناء على من قام بها.
عن ابن عباس- رضي الله عنهما- عن جويرية- رضي الله عنها؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة، فقال: ((ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟! قالت: نعم.قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه وزنة عرشه، ومداد كلماته)).
وعن علي- رضي الله عنه- أن فاطمة- رضي الله عنها- اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما: "ألا أعلمكما خيرا مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما، أن تكبرا الله أربعا وثلاثين، وتسبحاه ثلاثا وثلاثين، وتحمداه ثلاثا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم)).
36- مشاركة الجيران في أفراحهم وأتراحهم، بل حتى في الطعام والشراب، وطبعهم على هذا الخلق الجم، وهذه المشاركة الفعالة.
عن أبي ذر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صنعت مرقة فاكثر ماءها، ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منه بمعروف ".
(1/17)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
37- تحذيرهم من الحرام، والأخذ على يد مرتكبه، وتذكيرهم بالمراقبة الإلهية لهم، والمعاقبة الربانية على قبح فعلهم، ليستقر في نفوسهم شناعة الحرام، وقبح الإجرام، وسوء السيئات والآثام.
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أخذ الحسن بن علي- رضي الله عنهما- تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كخ.. كخ، ارم بها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة ".
وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا- تعني: قصيرة- فقال: "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجتها ".
38- ترغيبهم في التصدق بما هو قديم ونافع كالملابس القديمة، والأواني المستخدمة، والأثاث المستعمل على المحتاجين لها والراغبين فيها، بدلا من إلقائها، والتخلص منها.
39- تحذيرهم من التبذير والإسراف في مأكلهم ومشربهم وملبسهم ومركبهم ومسكنهم وجميع شؤونهم.
* مثاله: أن يأكل كل واحد منهم ما يسقط منه من طعام طيب على سفرة الطعام حتى لا يرمى في القمامات.
عن جابر- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها، فليمط ما كان بها من أذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان .
* أو جمع ما يبقى من طعام لتأكله الحيوانات الأليفة المستأنسة أو الطيور كالحمام والدجاج، فـ" في كل كبد رطبة أجر".
40- متابعتهم على الأعمال الحميدة والأقوال المفيدة في مسلكهم اليومي، والحرص على تحليهم بالآداب الشرعية كآداب الطعام والشراب واللباس والنوم والاستئذان والدخول و الركوب.
ويشمل ذلك تعليمهم إياها، وتعويدهم عليها، وتذكيرهم بها، وترغيبهم فيها.
عن عمر بن أبي سلمة- رضي الله عنه- قال: كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك .
(1/18)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
41- الاستفادة من كل شيء يمكن أن يستغل قبل طرحه ونبذه، ليتعلم الأهل المحافظة على ما لديهم من ممتلكات، ويسلموا من التبذير والإسراف.
عن أبي حازم، قال: سألت سهل بن سعد- رضي الله عنه- فقلت: هل أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي؟ فقال سهل: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي من حين ابتعثه الله حتى قبضه. قال: فقلت: هل كانت لكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مناخل؟ قال: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منخلا من حين ابتعثه الله حتى قبضه، قال: قلت: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه، فيطير ما طار، وما بقي ثريناه فأكلنا فأكلناه " .
وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: (أتي النبي صلى الله عليه وسلم بتمر عتيق، فجعل يفتشه، يخرج السوس منه).
وفي رواية: (كان يؤتي بالتمر فيه دود، فيفتشه، يخرج السوس منه).
42- حثهم على اقتطاع يومي أو أسبوعي- ولو كان قليلاً- من مصروفهم للمشاركة في أفعال الخير والإحسان، ويمكن تسميته بالتوفير الخيري مثلاً.
43- تعويدهم على النظافة العامة الداخلية والخارجية مع النفس ومع الآخرين في البيت وخارجه.
وليرفع شعار: (دع المكان أحسن مما كان، قدر الامكان، فإن لم يكن بالإمكان فكما كان).
* ما أجمل أن ترى رب أسرة مع أسرته يقومون بتنظيف حديقة عامة مما فيها من القاذورات بعد أن جلسوا فيها وتمتعوا بها!
44- أن يجعل لكل فرد في الأسرة دفتر (كشكول) للفوائد (كناشة معلومات متنوعة) يسجل فيها التجارب والمواقف والانطباعات والملاحظات، وما يقف عليه من حكم وأحكام، ومشاعر وأشعار، وسير وآثار، وقصص وأخبار؛ فالمعلومة صيد ، والكتابة قيد، فقيد صيودك بالحبال الواثقة.
(1/19)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
45- تنمية مهاراتهم وهواياتهم المفيدة، وربطها بالشرع كالسباحة لتقوية الجسم على طاعة الله تعالى، وكالرمي لأنه من إعداد القوة على أعداء الله، وكالسباق للاستعانة به على طرد الخمول والكسل لتنشيط النفس إلى ما يقرب من الله تعالى.
عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميا، ارموا وأنا مع بني فلان)). قال: فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( ما لكم لا ترمون)) قالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ارموا فأنا معكم كلكم).
46- تنبيه الأهل على المحافظة على الحيوانات التي لا ضرر منها، ونهيهم عن التعدي عليها والإضرار بها.
فعن عبدالله بن مسعود- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلاً، فأخذ رجل بيض حمرة، فجاءت ترف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أيكم فجع هذه بيضتها؟! فقال رجل: يا رسول الله أنا، أخذت بيضتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اردده، رحمة لها).
47- تنبييهم إلى إتلاف المحرمات التي يرونها ويقعون فيها كطمس الصور المحرمة التي تأتي على المستهلكات اليومية، وكنقض الصلبان التي يرونها ويطلعون عليها.
عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب- رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى : (أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته، ولا صورا إلا طمستها).
48- غرس عظمة كتاب الله في قلوبهم وزرع محبته ورهبته في صدورهم، وتحذيرهم من امتهانه أو إهانته أو الاستهانة به، وتذكيرهم بآداب تلاوته، وأحكام قراءته وطرق صيانته والمحافظة عليه وعدم العبث به.
(1/20)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
49- تعويدهم على الكرم والبذل عند حضور الأضياف، بالحرص على مشاركتهم في الترحيب بالضيوف وخدمتهم، ومد يد العون لهم والمشاركة في إعداد قراهم وإكرامهم والجلوس معهم للاستفادة منهم.
50- طبعهم على الشجاعة والبسالة والإقدام، وتحذيرهم من الخوف والجبن والخور والانهزام، والاعتراف بالحق ولو كان مرا ومضرا.
* يمكن إسقاط بعض العقوبات عن المخطئ- في بعض المرات- جزاء اعترافه بالحق وإقراره بالذنب.
51- تنبيههم إلى احترام ممتلكات الآخرين والحرص على المحافظة عليها، وعدم التعدي عليهم فيها، سواء في الأمور والأشياء المشاعة للجميع أو الخاصة بالأفراد.
عن أنس- رضي الله عنه- قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي عندها النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة، فانفلقت؛ فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: (غارت أمكم) ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت فيه)).
52- ترغيبهم في الدعاء لأنفسهم والدعاء لغيرهم مبتدئين بالوالدين والأقربين، وخصوصا حال الملمات والنكبات، وتذكيرهم بأهمية الدعاء للإسلام والمسلمين في المشارق والمغارب، ليكون ذلك ديدنا لهم وطبعا فيهم.
53- تقسيم أعمال البيت بينهم، وتحديد المسؤوليات فيه، وتعويدهم على المشاركة في أعماله، والمساهمة في القيام بشؤونه، ومن عجز عن تقديم العون لغيره، فلا أقل من أن يقوم بشأن نفسه من ترتيب وتنظيف حتى لا يكون كلا على غيره معتمدا على سواه.
عن الأسود، قال: سألت عائشة- رضي الله عنها-: ما كان يصنع النبي صلى الله عليه وسلم في أهله؟ فقالت: كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج ".
(1/21)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
وقالت: ((يخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجل في بيته))وفي رواية: قالت: ((ما يصنع أحدكم في بيته: يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويخيط)). وفي رواية: ((كان بشرا من البشر؛ يفلي ثوبه، ويحلب شاته)).
54- تعليم الأبناء فنون البيع والشراء وضوابطه وطرائقه، وإكسابهم الثقة في أنفسهم منذ الصغر عليه.
55- تعويدهم على النوم مبكرا، وتحذيرهم من السهر طويلاً، وطبعهم على الاستيقاظ المبكر قبل صلاة الفجر لصلاة الوتر والاستغفار؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل العشاء والحديث بعده.
56- إشغالهم ببعض الأعمال الحرفية النافعة كالنجارة والسباكة والزراعة بالنسبة للذكور، وكالخياطة والحياكة والتطريز بالنسبة للإناث، وملء أوقات فراغهم بها.
57- تعليمهم الرقية الشرعية وضوابطها، فيتعلمون كيف يرقو المريض نفسه، أو كيف يقرأ بالتعاويذ الشرعية من الكتاب والسنة على غيره.
عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات، فلما ثقل كنت أنفث عليها بهن، وأمسح بيد نفسه لبركتها. وفي رواية: (فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به).
وعنها- رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله، يمسح بيده اليمنى، ويقول: (اللهم رب الناس أذهب البأس ..)).
58- جمع الأوراق والدفاتر والكتب والجرائد التي يوجد بها آيات كريمة أو أحاديث نبوية لم تعد تصلح للاستعمال تمهيدا للتخلص منها بطريقة صحيحة كالحرق والدفن، وهذا العمل- على صغره يربي الأهل على احترام كلام الله وتقديسه، وعدم إهانته وتدنيسه.
*- يمكن استخدام قصاصة- فرامة- الورقة لهذه المهمة.
59- أن يعود أهل بيته على التواضع ولين الجانب كالأكل مع الخادم، والجلوس معه، والحديث إليه، وإدخال السرور عليه، والمشاركة له في أفراحه وأتراحه، وخصوصا حال مرضه وسقمه أو حنينه وحزنه.
(1/22)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
عن أبي هريرة- رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه، فليناوله أكلة أو أكلتين، أو لقمة أو لقمتين، فإنه ولي حره وعلاجه)).
ثالثا: مشاركتهم في الدعوة إلى الله تعالى
قال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} [آل عمران: 104].
60- تشجيع الأهل على الدعوة إلى الله تعالى في أوساطهم التي يخالطون فيها غيرهم كالمدارس والقرابة والجيران والأصحاب، وينبغي مساعدتهم على ذلك بمدهم بالأشرطة والكتيبات والمطويات وإعلانات المحاضرات، وغيرها من السبل المشروعة للدعوة إلى الله تعالى.
عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي- رضي الله عنه يوم خيبر: ((انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم)).
61- حثهم على المشاركة في المجلات الإسلامية بالكتابة فيها، والنقد الهادف لها، وبالنصيحة المخلصة للقائمين عليها، وبالدعاية إليها، وغير ذلك من وجوه المشاركة فيها.
62- إشراكهم في البرامج الدعوية التي يقوم عليها رب الأسرة، ويمكن استغلال طاقاتهم في ذلك، وتربيتهم على المشاركة الفعالة في وجوه الأنشطة الدعوية، مثل: إعداد الرسائل وترتيب الأشرطة وفهرستها وتصنيف الكتب وترتيبها وتنظيم المكتبات والعناية بها.
63- تدريبهم على كتابة الردود الصحيحة على الأقلام القبيحة المفسدة التي تشذ عن الحق وتوغل في الباطل، وإرسال مقالاتهم- بعد تنقيحها- إلى الجرائد والمجلات التي تنشر ذلك الزيف أو غيرها ليعلو صوت الحق، ولتستبين سبيل المجرمين.
(1/23)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
64- إرسال الرسائل الدعوية لهواة المراسلة الذين يظهرون في الجرائد والمجلات مع بعض الكتيبات والمطويات، وإعداد برنامج دعوي متكامل لهذه الوسيلة الدعوية الناجحة، كل بحسبه؛ الرجال مع الرجال، والنساء مع النساء.
65- كتابة رسائل النصح والوعظ والتذكير لمن عرف عنه إشاعة المنكر بين الناس كالممثلين والممثلات والمطربين والمطربات وكتاب الشعر الرخيص المبتذل، فلعله ينجو بها ناج، ومعذرة إلى الله، ولعلهم يهتدون أو يرتدعون.
66- تشجيعهم على كتابة المقالات المفيدة المختصرة للمشاركة بها في مدارسهم كطابور الصباح والحفلات والأنشطة المدرسية.
67- غرس شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قلوبهم، وذلك بممارسته أمامهم، وترغيبهم فيه، وحثهم عليه عند حدوث ما يستدعيه.
قال تعالى: (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} [لقمان:17]
* كم هو الأثر بالغ في قلب رجل مدخن عندما يأتي إليه طفل صغير يحذره منه وينهاه عنه!
* وكم هي الاستجابة من شابة غافلة تستمع للمعازف والأغاني عندما تأتيها طفلة صغيرة تذكر لها حرمته وتنذرها من خطورتها!
68- إشغالهم بأحوال العالم الإسلامي وقضاياه ومشاكله،حتى ينشغلوا بالعظائم والمهمات، ولا يلتفتوا إلى التوافه والمحقرات، وتتولد لديهم عاطفة إيمانية للمؤمنين وولاء قلبي للمسلمين.
فعلى قدر الهمم تكون الهموم، ومن حلق فوق النجوم فلن يقنع بما دونها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة- رضي الله عنها: ((يا عائشة! لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحجر، فإن قومك قصروا في البناء)).
69- رصد سلبيات وإيجابيات المجتمع، وما يحدث في الواقع من أحداث ووقائع، وبعث نتائجها إلى العلماء والمشايخ ليكونوا على علم جامع بحقيقة الواقع، وحتى يكون حلهم أنفع وعلاجهم أنجع.
(1/24)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
70- إعداد درس نسائي أسبوعي أو على الأقل شهري في البيت، فتدعى له الجارات والقريبات والمعارف، وتلقي فيهن إحدى الداعيات درسئا فيما يخص النساء، ومهفة أهل البيت الإعداد له والاستفادة منه، فينمو لديهم الحس الدعوي، والحرص على بذلك الخير للغير.
71- تعويدهم على الخطابة وإلقاء المواعظ، وتنبيههم إلى آداب ووسائل مواجهة الناس والتأثير فيهم، من خلال تكليف أحدهم بإعداد موعظة قصيرة تلقى على الأهل، ويتم تقويم الموعظة وأسلوبها وإبداء السلبيات والايجابيات عليها من الجميع.
* ينبغي التنبيه على أهمية رفع الروح المعنوية للملقي، وغرس الثقة في النفس، دون الوصول به إلى الغرور والإعجاب بالنفس.
72- توزيع الكتيبات والمطويات والأشرطة النافعة على الناس عند إشارات المرور، فحالما يقف الوالد بمركبته بجوار غيره، فإن أحد الأبناء يعطيه كتابا أو شريطا مع ابتسامة صادقة ولمسة حانية، ثم إذا تحركت المركبة فإن الوالد يدعو بالهداية لمن أخذ الهدية والأهل يؤمنون ليتعلم الأهل الدعاء مع الدعوة.
73- اعتاد القرابة والجيران والأصدقاء في زياراتهم لبعضهم في المناسبات وغيرها أخذ شيء من الهدايا كالمأكولات والمشروبات والملبوسات، وهذا حسن، والأحسن منه أن يربي الوالد أهل بيته في هذه الزيارات على أخذ جملة من الأشرطة والكتب كهدية مختلفة عما ألفه الناس، ليربي أهله على الدعوة إلى الله تعالى ونشر الخير بين أولى الناس بهم.
* يوجد بالتسجيلات والمكتبات الإسلامية الكثير من السلاسل العلمية التي أعدت بشكل جميل ومناسب للاهداء.
رابعا: تهذيب نفوسهم وتقويم سلوكهم
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم: 6].
74- زيارة الأسر الفقيرة، وتفقد أحوالهم، ومد يد المساعدة لهم.
(1/25)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
وبهذه الزيارات تتحقق الصلات، وتقوى الروابط، وتنشأ المشاعر الوجدانية الإيمانية بين المجتمع الواحد، وينتج عنها أثر كبير في قلوب الأهل، فيعرفون نعم الله عليهم، ويقومون بشكرها، ويرضون بما قسم الله لهم منها، ويمدون يد العون لإخوانهم في الدين.
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم)).
75- زيارة المرضى في المستشفيات- إن أمنت الفتنة!- ودور النقاهة ومراكز الاعاقة، ليتعرف الأهل على فضل الله عليهم بما يشاهدون من مشاهد الحزن والألم التي يرونها بادية على وجوه أهل البلايا.
* يستحب أخذ بعض الهدايا للمرضى، وخصوصا من هم في مراكز الاعاقة ودور النقاهة لطول مكثهم فيها.
ولا أعني بالهدايا علب الحلوى وباقات الزهور، فالنفع منها قليل، ولكن أقصد الهدايا التي تحيي القلوب وتشرح الصدور، مثل الكتيبات والمطويات.
76- زيارة القبور- للذكور- وتشييع الجنائز، والسير معها إلى حيث توارى الثرى.
فإذا رأى الولد من أبنائه تقصيرا في طاعة الله أو تجرؤا على معصيته، فليأخذ بأيديهم إلى هناك، ويذكرهم بمآلهم بعد مفارقة الدنيا.
فيا لهذه الزيارة... ما أعظم أثرها! وما أكبر عبرها!
77- زيارة المدارس التي ينتسب لها الأبناء والبنات للوقوف على سلوكياتهم وسلوكياتهن، وأبرز مميزات شخصياتهم، والتعرف على مواطن الخلل والزلل في أفعالهم وأقوالهم عندما يشعرون بتغيب رقابة الوالدين عنهم.
78- عندما يخطئ أحدهم خطأ عظيما لا يغتفر.. فإن هناك أسلوبا نبويا للتربية، قد غاب عن كثير من المربين، وهو هجر المخطئ لمدة معينة من الزمن.
فبدلاً من القسوة في القول، والغلظة في الحديث، فلنتعلم أن نقسو عليهم بالكف عن الحديث، والامتناع عن المعاملة.
* راجع قصة الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك.
(1/26)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
79- هل جربت أيها الوالد أن تكتب لابنك أو زوجتك أو لأحد من أهل بيتك رسالة؟!
قد تقولي لي: وما الداعي لذلك وهم معي لا يفارقونني؟! أقول: جرب هذا.. ولا تنس أن تدعو لي عندما ترى النتيجة الباهرة!
فعندما ترى من أحدهم سلوكا خاطئا لا ترتضيه منه، ونصحته فلم يأتمر ووعظته فلم ينزجر.. فاكتب له ببراع النصيحة رسالة مدبجة بعبارات المحبة والإشفاق، ثتم اذكر بين ثناياها ما يأتي أو يذر من أمر، وستجني- بإذن الله- ثمرة الرضا بعد غرس بذرة النصيحة بالطريقة الصحيحة.
80- الرحلات المشتركة مع مجموعة من الأسر المحافظة على دينها، والمتوافقة في التزامها، والمتجانسة في استقامتها، ليشعر المسلم الملتزم بعدم الغربة في طريقه، ويجد من يعينه عليه، ومن يمضي معه فيه.
* يحسن إعداد برنامج دعوي متكامل خلال الرحلة، متزامنا ومتلازما مع جانب الترفيه والتسلية بالمباح.
81- استغلال الرحلات الترفيهية والنزهات البرية أو البحرية أو الجوية في تقوية الإيمان في قلوبهم، وذلك بربطهم بخالقهم في كل ما يرون ويسمعون ويعيشون، فيريهم الدنيا بمنظار الآخرة، فالجمال يذكر بالجنة وما فيها من نعيم وخيرات، والقبح والسوء يذكر بنار السموم وما فيها من آفات ومهلكات.
فالجبال تذكر بقوة الله- سبحانه- والسموات تخبر عن قدرته، والبحار تنبئ عن عظمته، والسحاب يومئ إلى رحمته، وهكذا يعيش المسلم مع أهله بقلب الحي المتيقظ.
يردد معهم دائما في تأمل وتدبر، وتذكر قوله تعالى: {هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه} [لقمان: 11].
والمعرض عن الله يعيش سبهللاً بحياة الغافل الجاهل البليد.
82- النصيحة الجماعية للأهل، ويتم ذلك بجمعهم ووعظهم وإسداء النصح لهم دون تخصيص لأحد منهم. وخصوصا للأمور التي يشتركون فيها جميعا، كالترغيب في الصدقة، والإحسان للآخرين، وبذل المعروف لهم، وكف الأذى عنهم، والتحذير من سوء المعتقدات والأقوال والأفعال.
(1/27)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
83- النصيحة الفردية لأحد أفراد الأسرة، فعندما يرى رب الأسرة من أحدهم تقصيرا في حق ربه، أو خللاً في أخلاقه أو سوءا في معاملته؛ فإنه ينفرد به عن غيره، ويسدي له النصيحة مدبجة بأعذب الألفاظ وأرق العبارات وأخلص الكلمات.
تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة
84- التربية من خلال الأحداث والوقائع السارة والضارة التي تحدث للأسرة.
فعندما يحصل للأسرة كفها أو لأحد من أفرادها ما يكره،فإنه يرجع ذلك للذنوب والسيئات والتقصير في حق الله تعالى. وعندما يحدث لهم ما يفرحهم، ويجلب السرور لهم، فإنه يحيل ذلك لكرم الله معهم وفضله عليهم، ولعل أحدهم أحدث طاعة لله تعالى كان من نتائجها توفيق الله لهم فيما يحبون وصرفه عنهم ما يكرهون.
وبذلك تتعلق القلوب بعلام الغيوب في نزول المكروه وحصول المحبوب.
85- تربية الأهل بالمواقف في الأزمات..كالصبر على المقدور، والرضا بالقضاء، والثبات حتى الممات حال الملمات.
فرب الأسرة قلبها ورأسها، فإن استقام القلب تبعه القالب،وإذا جزع وفزع في البلاء بالضراء، وطغى وبغى في البلاء بالسراء، فأهل البيت تبع له في أكثر الأحوال في الأقوال والأفعال، فهم يرونه بعين المقتدي، ويلمحونه ببصر المهتدي. فليتق الله كل مسؤول عن أسرته، فإنهم يقومون به، ويتأثرون بأقواله وأفعاله، ويقتفون بما يصدر منه ويؤثر عنه.
86- الهدايا مطايا المحبة، وبريد المودة، وسبيل التأثر، فكم هدية أرسلت من رب الأسرة لأحد أفرادها مشفوعة بنصيحة لطيفة في كتاب أو شريط أو رسالة أو كلام، فتح لها باب القبول، فالقلوب مجبولة على محبة من أكرمها بالعطاء وتفضل عليها بالبذل والإهداء.
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا).
(1/28)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
87- فرض رسومات مالية كعقوبة على كل من يتكلم بباطل أو يتفوه بلغو حرام كسب وشتم ولعن وكذب وسخرية، وتوضع تلك الرسوم في صندوق معين، ويجمع ما فيه، ويتصدق بما فيه على الفقراء، بعد رضى الجميع، وقبولهم بالفكرة واقتناعهم بالطريقة.
88- قد ينشغل رب الأسرة عنهم في بعض الأحوال لمدة طويلة من الزمان، ويبتعد عنهم في المكان، وهنا يلزمه استغلال الهاتف للاتصال بهم والسؤال عنهم ومتابعة شؤونهم، وليشعرهم أنه ما زال مهتما بهم وحريصا عليهم ومتابعا لأقوالهم وأفعالهم.
89- تسجيل الأهل في المراكز الصيفية التي تقام في الإجازات لما فيها من تنمية للقدرات وتدريب على المهارات وإشغال للوقت بما يعود عليهم بالخير في دنياهم وأخراهم، ومع وجوب حسن اختيار القائمين عليها ومتابعتهم فيها.
90- الزيارة الجماعية للأقارب وذوي الأرحام والجيران، وتذكير الجميع بوجوب ذلك، وبيان الأجور المترتبة عليها لمن أخلص لله تعالى فيها.
91- اصطحاب الأب لأبنائه الذكور معه في الذهاب والإياب والمجالس المباركة والزيارات النافعة، ليتعلم الأبناء كيف يعاملون الناس ويجالسونهم ويستفيدون منهم ويتأثرون بهم ويؤثرون فيهم.
92- عندما يهتم أحد أفراد الأسرة بالسفر، فإنه يعطي بطاقة وصايا مغلفة، يكتب فيها بعض الوصايا والتنبيهات، وبعض المحاذير والمخالفات، مع عبارات رقيقة، لتكون له زادا مباركا في سفره، ليستعين بها على أمر دينه ودنياه.
مثل: احفظ الله يحفظك- اتق الله حيثما كنت- احفظ بصرك من المحرمات- احذر جليس السوء-... ونحوها، وحبذا لو عطفت بهدية مفيدة كمصحف صغير وكتاب أذكار وبعض الأشرطة المناسبة..
93- مداعبة الأهل بالمباح، وإدخال السرور عليهم بالحلال، ليعلموا أن في ديننا فسحة وفي شريعتنا سعادة وراحة.
(1/29)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدلع لسانه للحسن بن علي، فيرى الصبي حمرة لسانه، فيهبش إليه)). وكسباق النبي صلى الله عليه وسلم- لعائشة- رضي الله عنها- في غزوتين من غزواته، وقولها لها: ((هذه بتلك السبقة)). وكإرساله البنات الجواري ليلعبن معها في بيته صلى الله عليه وسلم.
94- زيارة العلماء والدعاة وطلاب العلم وأهل الخير والصلاح في منازلهم وأماكن أنشطتهم الخيرية والدعوية، للتعلم منهم، والاقتداء بهم، والتعاون معهم.
95- القدوة العملية ببر الوالدين والإحسان إليهم، والبذل لهم والرفق بهم والسماحة معهم- إن كانوا أحياء- لما لذلك من أثر إيجابي في تربيتهم.
96- تعليق السوط في مكان بارز في البيت، ليستشعر المخطئ والمفرط والمتعدي أن العقوبة له بالمرصاد إذا زل أو ضل.
عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((علقوا السوط حيث يراه أهل البيت، فإنه أدب لهم)).
97- ترغيب الأهل في الجلوس مع كبار السن للاستفادة من خبراتهم وتجاربهم في الحياة، والوقوف على طبيعة حياتهم وشديد معاناتهم وتحملهم لشظف العيش، وخصوصا من غرف منهم بالحكمة والعقل والاتزان والدين والعلم.
عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((البركة مع أكابركم)).
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا، فليس منا)).
98- عندما يشتري الوالد سلعة مغشوشة كالفاكهة، فإنه يجمع أهله ليريهم سوء هذه الصنيع ويقبحه في أنظارهم، ثم يدعو بالصفح والمغفرة لمن غشه من المسلمين، ويدعو له بالصلاح والهداية، وأهله يؤمنون على دعائه، فيتعلم الأهل منه الصفح والعفو لمن أساء إليهم أو أخطأ عليهم، ويستشعرون شناعة الغش وقباحة التدليس والتلبيس..
(1/30)
{{ المكتبة الإسلامية الشاملة ... SH.REWAYAT2.COM }}
99- الخروج مع الأهل في ليلة مقمرة إلى فلاة مأمونة خارج نطاق العمران، ليريهم بديع صنيع الله في خلق السموات ونجومها وأفلاكها، ويذكرهم بظلمة القبور ووحشتها، وغير ذلك من المسائل التربوية التي ينبغي أن يوقفهم عليها ويريبهم بها.
100- تفريغ أحد المربين الصالحين لملازمة الأبناء وتربيتهم وتعليمهم القرآن وآدابه، والعلم الشرعي وأحكامه، وطبعهم على العادات الحميدة والأخلاق الكريمة، ويمكن إعداد برنامج مشترك لمجموعة من الأسر المتجانسة لكفالة هذا المربي للعناية بأبنائهم.
وأعتقد جازما أن توفير هذا المربي أولى وأنفع من جلب الخادمات في البيوت، فمتى ندرك أن قلوب وعقول أبنائنا أهم وأعظم من أجسادهم وقوالبهم؟!
الخاتمة
أيها الكريم:
هذه عصارة الفكر، وخلاصة التجربة، ونتيجة البحث والتلقي، تراها بين يديك بعد أن أرسلت إليك.
فما وجدت فيها من خير وصواب، فهو من توفيق الكريم الوهاب {وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب} [هود: 88].
فعض عليها بالنواجذ، واقبض عليها بكف الحرص، وكن بها عالما، وبما فيها عاملاً، وإليها داعيا وعليها صابرا، وادع لأخيك بالقبول والثواب.
وما وجدته فيها من خطأ وخطيئة، فاطرحه جانبا، وانبذه قصيا، فالحق أحق أن يتبع، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، وادع لأخيك بالمغفرة لزلله، والصفح عن خلله، واعلم أنها ذنوبه التي أركسته، ومعاصيه التي كبلته، وخطاياه حالت بينه وبين الحق، فكن له ناصحا، ومن المخالفة مخلصا، ولن تجد منه إلا آذانا صاغية، وأكفا داعية..
وسلام من الله عليك، ورحمة منه إليك- بفضله وكرمه- وهو ذو الفضل العظيم، وصلى الله على رسولنا الكريم وعلى آله الطيبين الطاهرين.
وكتبه
عبد اللطيف بن هاجس الغامدي
غفر الله له ولأسرته وتجاوز عنهم
جدة (21468) ص. ب (34416)
(1/31)
{{ المكتبة الإسلامية 

11111

جديد الموقع

Search

القران الكريم

اخر التعليقات

سجل الزوار

سجل الزوار

زوارنا